العدد 1407 / 1-4-2020

منذ أشهر، بدأت الأزمة المعيشية تشتد حول اللبنانيين، زادت الأسعار وبدأ يتأرجح سعر صرف الليرة. الحكومة السابقة لم تبذل أي جهد لمواجهة الأزمة، وواصلت سياساتها بتقاسم المغانم والتعيينات وكل ما يؤكل في هذه الدولة. هذا الحال أشعل ثورة شعبية حقيقية وصادقة عمّت معظم المناطق، كان عمادها الشعب الجائع المحروم الذي لايملك قوت يومه والذي ضاق ذرعاً بطبقة سياسية فاسدة. تزامنت الثورة مع أزمة مالية وتخلّف المصارف عن دفع أموال مودعيها وشحّ في توفر الدولار وتحليق لسعر صرف الليرة. في ظلّ هذا الوضع الاقتصادي الخانق وتخلّي الدولة عن القيام بواجباتها، حلّت أزمة انتشار فيروس كورونا لتزيد من حدّة الأزمة والعوز والضائقة المعيشية.

هذا الواقع جعل الأغلبية الساحقة من اللبنانيين يترنّحون بين مطرقة العوز والفقر وسندان فيروس كورونا الذي يهددهم في صحتهم وصحة من يحبون، ويمنعهم من الاسترزاق وتأمين قوت يومهم، وباتت هذه الشريحة تعيش أحوالاً مزرية من الفقر والحاجة والانكسار. بعض هؤلاء لديهم من يعينهم ويسندهم من جميعات وأحزاب وأقرباء، لكن كثيرين أغلقوا على أنفسهم الباب ويئنّون بصمت، تمنعهم عزّة أنفسهم من طلب المساعدة ولا يشعر بهم أحد.

لطالما قيل إن لبنان عبارة عن مزرعة للسياسيين وزعماء الطوائف والعائلات السياسية، كل طرف يلهو بحصته من المزرعة كما يشاء وكأنها ملكية خاصة له. لطالما قيل إن أحد الأحزاب هو دويلة داخل الدولة، يملك مقدرات مالية وعسكرية وبشرية وبنى تحتية تفوق ما تملكه الدولة. اليوم باتت المزرعة المرفوضة محمودة ومطلوبة ومنشودة، وباتت الاستعانة بالدويلة أمراً ضروراً وماساً.

أرقى دول العالم وأكثرها تطوراً ورفاهية انهار نظامها الصحي، ويموت مرضاها على أسرة المستشفيات بسبب العجز عن تأمين الرعاية الطبية، ويعاني شعبها ضائقة ومعيشية. لذلك ليس منقصة أبداً أن تكون الدولة اللبنانية عاجزة بمفردها عن مواجهة الأزمات الصحية والمعيشية التي تواجهها وتواجه اللبنانيين. اليوم حان دور المزرعة والدويلة أن يقفا إلى جانب الدولة، وأن يقدموا العون للدولة لمساندتها ودعمها والوقوف إلى جانبها، فانهيار الدولة هو انهيار لمزرعتهم ودويلتهم.

الحجر الصحي وإلزام الناس البقاء في المنازل لايمكن أن يتم فقط بقوانين صارمة وانتشار للقوى الأمنية في الشوارع الرئيسية والساحات العامة، بل قبل ذلك وأهم من ذلك، يتم من خلال المزرعة والدويلة والأحزاب والزعامات الطائفية والسياسية التي تملك المونة على جمهورها وتستطيع إلزامه البقاء في البيت وإخلاء الأزقة والحواري والمقاهي ومحال التسلية في المناطق الفقيرة والمحرومة التي لا تدخلها الأجهزة الأمنية، والمؤهلة أكثر من غيرها كي تكون أرضاً خصبة لانتشار فيروس كورونا. على كل مشارك في هذه المزرعة أن يهتم بحصته التي طالما نهش منها، أن يحتضن جماعته ويرعى أمورهم، أن يفرض عليهم الالتزام بالحجر الصحي الذي يشكل مدخلاً أساسياً لمحاصرة الفيروس ومنع انتشاره، أن يقدّم مساعدات للمعدمين من مناصريه، أن يتفق مع البلديات المحسوبة عليه لتعقيم شوارع مناطقه وساحاتها. على المتموّلين ورجال الأعمال في هذه المزرعة الذين لطالما استفادوا من خيراتها واستغلّوا مناصريهم لتحقيق مصالحهم، عليهم اليوم أن يقدموا جزءاً يسيراً مما غنموه وسرقوه ونهبوه.

هذا لايعني تكريس الوضع الشاذ والتسليم بوجود مزرعة يتقاسم خيراتها سياسيون وطائفيون ودويلة تغرّد خارج سرب الدولة متى شاءت، لكنه أمر واقع منذ عقود ومن الواضح أنه مستمر ويتمدد، إضافة إلى أن الأزمة الراهنة ليست وقتاً لتصحيح المسارات ولا لرفع شعارات السيادة وهيبة الدولة. هو وقت مواجهة أزمة صحية معيشية خانقة تسحق كل يوم المزيد من اللبنانيين.

أوّاب إبراهيم