العدد 1369 / 10-7-2019
أواب إبراهيم

تتفق السلطة السياسية رغم كل اختلافاتها على أن الوضع الاقتصادي حساس ويحتاج لكثير جهد وعمل لتجنب الانهيار وإفلاس خزينة الدولة. تتفق هذه السلطة كذلك على أن ذلك يتطلب نشاطاً دؤوباً وتجاوزاً للتباينات. فهم يدركون بأن الانهيار إذا حصل فإنه سيطال الجميع ولن يميّز بينهم. لذلك رفعت الحكومة منذ تشكيلها شعار "إلى العمل"، ونجحت بتحقيق بعض الإنجازات، كالانتهاء من موازنة عام 2018 وإقرارها في مجلس النواب، وإعداد موازنة عام 2019 وإحالتها للجنة المال والموازنة لدراستها،وتنتظر الحكومة الكثير من الملفات الهامة والضرورية التي تستدعي دراستها وإقرارها بسرعة. لكن المفاجأة أن بعض القوى في المجلس، تمارس تعنّتا بالإصرار على إحالة الأحداث التي شهدها الجبل الأسبوع الماضي إلى المجلس العدلي وإلا فإنها ستمنع انعقاد مجلس الوزراء. هذا التعنّت يكشف أن هذه القوى لا تتحلى بأدنى قدر من المسؤولية والحرص على تسيير شؤون اللبنانيين، وأن همّها الأول والأخير هو تحصيل مكاسب لفريقها في مواجهة الآخرين.

في القانون، يقوم مجلس الوزراء بإحالة بعض القضايا الهامة التي يجد أنها شكلت تهديداً للأمن والاستقرار في لبنان إلى المجلس العدلي، باعتبارها محكمة استثنائية لها إجراءات خاصة، وأحكامها مبرمة ليس فيها استئناف ولا تمييز. إحالة القضايا للمجلس العدلي سلطة استنسابية لمجلس الوزراء، ودرجت العادة أن يكون هناك توافق حول هذه الإحالة، أما في حالة أحداث الجبل فمن الواضح أن هذا التوافق غير متوفر، على العكس، شكّل الإصرار على الإحالة فتيلاً قد يؤدي لتفجير الحكومة.

لامعيار ثابتاً في إحالة مجلس الوزراء قضايا للمجلس العدلي. فهناك قضايا أهميتها كانت مناطقية وآثارها لم تتخط المنطقة التي حصلت فيها، رغم ذلك أحيلت للمجلس العدلي. كقضية مقتل الزيادين في وطى المصيطبة ببيروت قبل سنوات. في المقابل هناك قضايا هامة، آثارها انعكست على كامل الأراضي اللبنانية، واتخذت بعداً طائفياً خطيراً وكانت نتائجها كبيرة، لكنها رغم ذلك لم تتم إحالتها للمجلس العدلي. كأحداث مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام، التي راح ضحيتها مئات الشهداء من العسكريين والمدنيين، ودامت قرابة عام كامل، وتسببت بشلّ الأوضاع في منطقة الشمال. كل ذلك لم يدفع مجلس الوزراء حينها كي يقرر إحالة أحداث نهر البارد للمجلس العدلي ولم يحتج أحد.

إذاً نحن متفقون على أن الإحالة للمجلس العدلي هي مسألة استنسابية لمجلس الوزراء، ترتبط بالتوافق بين أعضاء المجلس،أكثر مما ترتبط بأهمية الحدث أو تأثيره أو مخاطره. بينما ما هو حاصل اليوم، أن فريقاً في مجلس الوزراء، مدعوماً من حلفائه ومن رئيس الجمهورية، يعترض طريق انعقاد مجلس الوزراء قبل خضوع بقية الأفرقاء لمطلبه بإحالة أحداث الجبل للمجلس العدلي، وهي سابقة لم تحصل. وهذا يدفع الى التساؤل حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا التعنّت.

فإذا كان الهدف هو الإسراع في البتّ بقضية أحداث الجبل، يكفي التذكير بأن قضية اختفاء السيد موسى الصدر أحيلت للمجلس العدلي قبل أربعين عاماً وينعقد المجلس بشكل دائم لكنه لم يصل لأي نتيجة.

أما إذا كان السبب وراء المطالبة بالإحالة للمجلس العدلي هو عدم الثقة بالقضاء العادي والخشية من تعرض القضاة للضغوط السياسية، فهذا أمر وارد ومحق، لكن المفارقة بأن أحداث الجبل هي في عهدة المحكمة العسكرية، وليس سراً القول بأن قوى بعينها لها تأثير كبير على هذه المحكمة، وعلى الأحكام التي تصدر عن قضاتها وضباطها. وهذه القوى هي نفسها التي تطالب بالإحالة للمجلس العدلي. وهذا أداء مستغرب، لأنه ليس من المنطقي أن لايكون لهذه القوى ثقة في محكمة هي نفسها تملك تأثيراً كبيراً على أحكامها، وهذا يفتح الباب للخيار التالي.

فإذا كانت محاولة بعض القوى فرض الإحالة للمجلس العدلي على بقية القوى عنواناً لكسر الطرف الآخر ومحاولة القول بأن لهم الكلمة الأولى والأخيرة في المجلس وأن باستطاعتهم فرض ما يريدون وتعطيل ما يريدون، هنا صرنا نتحدث عن مسار سياسي وليس عن مسار قضائي يستهدف تحقيق العدالة. لذلك، بات على رئيس الوزراء أن يستيقظ من قيلولته وأن يمارس الصلاحيات التي أولاه إياها الدستور.

أوّاب إبراهيم