العدد 1418 / 24-6-2020

في مقابلة تلفزيونية نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت أن تكون "إسرائيل" كانت تعتزم اغتيال رئيس الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني، وأتبع تصريحه هذا بالترحم على سليماني. لو كان أولمرت أو أي مسؤول إسرائيلي آخر فعل أمراً مشابهاً تجاه شخصية أخرى لا تنتمي للمحور الذي يطلق على نفسه اسم "المقاومة" لكانت منابر وخطب وتصريحات قادة هذا المحور سَخِرت ولمزت وهمزت واتهمت هذه الشخصية بالعمالة لإسرائيل وخدمة مصالحها، ولقالوا "نحنا ما حكينا شي.. هنّا اللي قالوا". لكن بما أن الشخصية المعنية تنتمي لهذا المحور، لذا لم نسمع صوتاً أو تعليقاً يتطرق للموضوع.

قبل أيام، ترك أحد الأجهزة الأمنية كل التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها المناطق اللبنانية والاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، والذين شتموا المقدسات وكادوا يشعلون فتنة طائفية، وانتقل الجهاز الأمني إلى بلدة حلبا في عكار لاعتقال فتاة في مقتبل العمر اسمها كيندا الخطيب، معروفة في وسائل التواصل الاجتماعي بمواقفها المناهضة لحزب الله. ساعات بعد الاعتقال، سرّب الجهاز الأمني للصحافة ولنشطاء وسائل التواصل الاجتماعي القريبين منه خبراً أن اعتقال الفتاة لا علاقة له بعدائها للحزب بل للاشتباه بتعاملها مع "إسرائيل". وخلال وقت قصير كان "الوسم" الذي يتصدر مواقع التواصل في لبنان هو "كيندا الخطيب عميلة"، وانطلقت حملة تتهم وتشتم وتنتهك ولاتترك شائنة أخلاقية إلا وارتكبتها بحق الفتاة. كل ذلك بناء على معلومات سرّبها جهاز أمني بشكل مخالف للقانون.

بعد يومين ادعى القضاء العسكري -الذي تُثار حوله الشبهات بقربه من حزب الله- ادعى على الشابة العكارية بجرم "التعامل مع العدو ودخول الأراضي الفلسطينية المحتلة والتعامل مع جواسيس العدو الإسرائيلي"، وبالتالي باتت تهمة لكيندا الخطيب رسمية ومؤكدة ولم يعد الأمر مقتصراً على مجرد شكوك طالما أنه صدر عن هيئة قضائية. هذا ما يُفترض أن يكون، لكن التجربة في لبنان مع المؤسسات الأمنية والقضائية تكشف أن كل الاحتمالات تبقى واردة، ولا يوجد حقيقة مؤكدة، ولو أصدرت المحكمة لاحقاً حكمها بإدانة كيندا الخطيب بما نُسب إليها. فالقضاء في لبنان ليس مستقلاً، وهو يلبّي رغبات الطبقة السياسية وأهوائها، وهذا لم يعد سراً ولا كلاماً يتمّ تناقله همساً، فمن يتصدر اتهام القضاء بالفساد والتبعية وبطاعة أوامر هذا الزعيم أو ذاك هم السياسيون أنفسهم، ويعلنون بشكل صريح عدم ثقتهم به. فإذا كان المسؤولون لايثقون بالقضاء، هل ننتظر أن يثق اللبنانيون به؟. ألم يجمّد رئيس الجمهورية التشكيلات القضائية بما يشكل تدخلاً بالسلطة القضائية، فقط لأن مجلس القضاء الأعلى لم يراعِ خاطره ولم يمنح الموالين له مواقع حساسة في القضاء؟ ألم يظهر وزير عدل على شاشة التلفاز وهو يهاتف قاض طالباً منه إصدار حكم "على ذوقه"؟ ألم يُصدر القضاء العسكري حكماً بإدانة الممثل زياد عيتاني بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، ليتبين بعد ذلك أن الأمر حصل بتآمر أدارته ضابط كبير للزجّ بعيتاني في السجن، ثمّ بعد أن ظهرت الحقيقة وانكشفت المؤامرة خرجت الضابط للحرية مرفوعة على الأكتاف. ألم يُصدر رئيس المحكمة العسكرية حُكماً بكف التعقبات بحق العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري، ليُغادر لبنان على رؤوس الأشهاد بمروحية أميركية؟!.

هل يجدر باللبنانيين أن يثقوا بالقضاء وهم يتابعون كل يوم ما ينشره ناشطون مؤيدون لحزب الله تفاصيل ما يحصل داخل غرفة التحقيق مع كيندا الخطيب، رغم أن التحقيقات يفترض أنها سرية؟.

كل ما سبق لايفترض لكيندا البراءة، فربما تكون الاتهامات بحقها صحيحة هذه المرة، لكن المؤكد أن اللبنانيين -بكل أسف- لم يعودوا يثقون بالقضاء، ولا بالتحقيقات التي يُجريها، ولا بعمل الأجهزة الأمنية. فما خبره اللبنانيون أنه لا استقلالية ولا نزاهة ولا مناقبية، لا في القضاء ولا في الأجهزة الأمنية، طالما أنهم يعملون لتنفيذ أهواء طبقة سياسية فاسدة؟!.

أوّاب إبراهيم