العدد 1491 /15-12-2021

لم يسبق أن مرّت باللبنانيين سلطة على هذا المستوى من "البجاحة" واللا مبالاة والفساد. فالفساد سمة رافقت السلطة على مدى العقود الماضية، لكن لم تصل سلطة لما وصلت إليه السلطة الحالية من السوء. مشكلة هذه السلطة لاتتعلق فقط بسوئها وتخبّطها، بل بأنها تتصرف بشكل طبيعي في الوقت الذي تنهار فيه مقوّمات وجود هذه السلطة.

رئيس الجمهورية يكرر الشعارات نفسها التي أطلقها منذ كان خارج السلطة، حول ضرورة التدقيق الجنائي، ومحاسبة المسؤولين عن تبديد المال العام. وغاب عن فخامته أنه اليوم معني بتنفيذ شعاراته لا تكرارها، وأن الاكتفاء بالكلام دون أي إنجاز هو تواطؤ مع الذين يتهمهم مسؤولين عما آلت إليه الأمور. وعِوض أن يستثمر ما تبقى من ولايته الرئاسية في محاولة تحقيق إنجاز يمكن أن يتذكره به اللبنانيون، ينشغل ببعث رسائل العتب والاستياء بسبب تجاهل الرئيس الفرنسي له، وعدم الاتصال به، والاكتفاء بالاتصال برئيس الحكومة.

رئيس الحكومة بدوره لا يشعر بأي مشكلة في عدم انعقاد مجلس الوزراء، فبرأيه الحكومة "ماشية" دون انعقاد، ولا يجد نفسه معنياً ببذل الجهد لإيجاد المخارج لاجتماع المجلس. وجلّ ما يأمله هو استمراره في منصبه حتى موعد الانتخابات النيابية. خاصة أن صمت الوزراء وغيابهم أفضل من حضورهم، في ظلّ الأزمات والعثرات والأخطاء التي تصدر عنهم عقب كل إطلالة لأحدهم.

القوى السياسية التي يفترض أنه قريبة من أهلها وناسها، تسمع وجعهم وتشعر بمشاكلهم أداؤها ليس أفضل حالاً. حزب الله من جهة يتهم الدولة بالتقصير والتقاعس عن إيجاد حلول للأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، ومن جهة أخرى يشترط "قبع" قاضي التحقيق العدلي قبل انعقاد مجلس الوزراء. ويبدو أن الحزب لم ينتبه للتفلّت الأخلاقي والأمني الذي تعاني منه أحياء الضاحية الجنوبية، والازدياد في عمليات السرقة والسلب والنشل والاعتداء على الناس. أما المواطن اللبناني فكلما اعتقد أنه وصل إلى القعر، وأن عليه التعايش مع الوضع البائس الذي وصل إليه، يهوي إلى قعر أدنى، ويصبح القعر السابق نعيماً يتمنى العودة إليه.

أمران اثنان لبنان بأمسّ الحاجة إليهما كي تستقيم أموره ويبدأ في طريق حلّ أزماته. الأوّل هو جرافة ضخمة تقوم بجرف الطبقة السياسية وأتباعها ومن يصفقون لها، ورميهم جميعاً في البحر، والتأكد من عدم عودتهم مرة أخرى.

أما الأمر الثاني الذي يفوق الأمر الأول أهمية فهو عقد مؤتمر عالمي يشارك فيه خبراء وعلماء وباحثون لدراسة أسباب الخنوع والانكسار الذي أصاب اللبنانيين، فجعلهم على هذا الحال من السكون والضعف والسكينة رغم ما يتعرضون له من سلب أدنى مقوّمات الحياة الكريمة من هذه السلطة. فقبل أكثر من عامين أقرت الحكومة ضريبة 6 دولار لاستخدام خدمة الواتساب. لم يبقَ أحد إلا ونزل إلى الشارع متظاهراً غاضباً من فساد السلطة ومطالباً برحيلها. يومها كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، والتيار الكهربائي أفضل بكثير من حاله اليوم، والأدوية والمواد الأساسية مؤمّنة وأسعارها مقبولة. رغم ذلك شعر اللبنانيون أن هذه السلطة فاسدة سارقة تسلبهم أموالهم دون أن تقدم لهم مقابل. أما اليوم، فالأوضاع باتت أقرب لجهنم التي وعدنا بها رئيس الجمهورية، الدولار يناطح 30 ألفاً، لا كهرباء، لا دواء، غلاء فاحش يلتهم رواتب اللبنانيين بقضمة واحدة، رغم ذلك، لا أحد في الشارع. تنظر في أعين اللبنانيين فلا تجد غضباً، بل عجز وانكسار. لارغبة لأحد بالفعل والحركة، بما يتجاوز الكتابة والتعليق على شاشات هواتفهم الذكية وهم على أسرّتهم. كل واحد منهم يستغرب صمت الآخر، يسخر من استسلامه وعجزه، يدعوه للنزول إلى الشارع والصراخ ورفع الصوت، لكنه لا يتحرك عن سريره.

أوّاب إبراهيم