بقلم: أواب إبراهي

خلال أزمة احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض، أطلق وزير الداخلية نهاد المشنوق من على باب دار الفتوى تصريحاً لافتاً قال فيه إن اللبنانيين انتخبوا سعد الحريري في انتخابات عام 2005 حزناً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتعاطفاً مع وريثه السياسي. أما في عام 2009 فقد انتخب اللبنانيون الحريري الابن لتجربته وخبرته. المشنوق أضاف أن اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر، فالسياسة في لبنان -حسب المشنوق- تحكمها الانتخابات وليس المبايعات.
في الجنازة الحاشدة لتشييع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد اغتياله يوم 14 شباط 2005، كان المشاركون في الجنازة يعتقدون أن الوراثة السياسية ستؤول حكماً إلى بهاء باعتباره الابن الأكبر للرئيس الحريري، فصاروا يهتفون باسمه ويصفقون له. يومها صدّق بهاء الأمر، فاعتلى كتف أحد مرافقيه وبدأ بتوجيه الجماهير مخاطباً إياهم بكلمات ما زال كثيرون من اللبنانيين يحفظها: «ياقوم.. بهاء يتحدث معكم». أيام قليلة مضت على الجنازة حتى صدر إعلان توريث زعامة رفيق الحريري إلى سعد الذي كان معظم اللبنانيين لايعرفون شكله ولم يسمعوا صوته ويجهلون كفاءته وإمكاناته وقدراته. لا أحد عرف الأسباب ولا الدوافع ولا الخلفيات التي دفعت إلى اختيار سعد، لا يهمّ، المهم هو أن اللبنانيين لم يناقشوا ولم يسألوا ولم يتبرّموا، بل كانوا مجرد غنم فصفقوا وهلّلوا وهتفوا للرئيس سعد الحريري ومنحوه أصواتهم التي اكتسح بها مجلس النواب ليشكل أكبر كتلة نيابية. 
اغتيال الرئيس رفيق الحريري شكل صدمة لعائلته وللبنانيين والعالم. فرغم الكثير من المعارك والخصومات السياسية التي خاضها خلال مسيرته، إلا أن منطق الاغتيال والتصفية الجسدية لم يكن وارداً. فالرئيس الحريري جاء إلى السياسة من عالم التجارة والمال والأعمال، وكذلك من علاقته المتينة بكبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية. فليست له أي خلفية عسكرية أو ميليشياوية كحال معظم الطبقة السياسية، وهو لم يدخل الملعب السياسي اللبناني إلا بعدما وضعت الحرب الأهلية أوزارها بعد اتفاق الطائف، الذي كان له دور فاعل في التوصل إليه. لذلك كان منطق الاغتيال الجسدي بعيداً عن ذهن الحريري، وكان يعتقد أن شعرة معاوية التي حرص على الاحتفاظ بها مع خصومه ستحميه من غدرهم. لم يكن يدرك -يرحمه الله- أن القتل والاغتيال هو منهج خصومه الذين اغتالوه واغتالوا من بعده عدداً من الشخصيات السياسية والإعلامية.
أقول كل ذلك لأؤكد أن الشهيد الحريري لم يكن في وارد تهيئة خلف له ليتابع زعامته السياسية التي بناها، وكان يعتقد أن مشواره ما زال في بدايته، وأن أوان تهيئة الوريث ما زال بعيداً. لكن أقدار الله تختلف عن أقدار عبيده، فاغتيل الحريري الأب، ووجد الرئيس سعد الحريري نفسه وريثاً لأكبر زعامة في لبنان. بل إن اغتيال والده منحه تعاطفاً كبيراً عابراً للطوائف، وكرّسه الزعيم الأبرز في لبنان، وبات يتحكم بمفاصل الدولة وإداراتها. 
وبعد مرور 13 عاماً على دخول الرئيس سعد الحريري الحياة السياسية من أوسع أبوابها، لم يعد مناسباً الإصرار على ربطه بوالده، وهو نفسه يجب أن لا يقبل بذلك، فبعد كل تلك السنوات، ليس بالضرورة أن يكون الحريري الابن قد سار على نفس النهج الذي سار عليه والده، بل ربما يكون قد سار في منهج معاكس، ولا يفيد هنا التذكير بأنه ابن أبيه. فكما قال المشنوق، تأييد اللبنانيين لسعد الحريري هو لخبرته وكفاءته وأدائه في العمل السياسي، فاللبنانيون -وما زلنا مع تصريح المشنوق- ليسوا قطيع غنم. 
في14 شباط من كل عام، نسأل الله الرحمة للرئيس رفيق الحريري ومن قضى معه، ونسأله كذلك أن يكون ابنه سعد قد وصل إلى مستوى من الكفاءة والقدرة والحنكة والحكمة التي تؤهّله لزعامة أكبر الطوائف اللبنانية، بعيداً عن ظلّ أبيه. كما نسأله جلّ وعلا أن يلهم اللبنانيين طريق الرشد، وأن لا يكونوا قطيع غنم.