العدد 1476 /1-9-2021

من المستحيل للمواطن في لبنان خلال هذه الفترة أن ينجح بإنجاز معاملة رسمية في أي إدارة من إدارات الدولة. فالإدارات في إجازة مفتوحة دون إعلان، تحت ذرائع متنوعة وجاهزة، يكفي اختيار واحدة منها. إما أن الموظفين متغيبون بسبب اكتشاف إصابة كورونا بينهم، وإما أنهم مُضربون احتجاجاً على عدم رفع رواتبهم بعد انهيار سعر صرف الليرة، وإما أن انقطاع التيار الكهربائي يمنعهم من أداء أعمالهم، وإما أنهم لا يملكون بنزين كاف في سياراتهم لإيصالهم لمقار أعمالهم. الخلاصة المشتركة لكل هذه الذرائع وغيرها أن إدارات الدولة ومؤسساتها لا تعمل، وأنها تفتح أبوابها بالحد الأدنى المطلوب لأداء المهام الضرورية ولمصلحة أصحاب الحظوات ولمن يدفع.

القضاء هو أحد الإدارات التي وجدت في الأوضاع والظروف التي يمر فيها لبنان مناسبة للاسترخاء والراحة. فإذا حضر الكاتب لا يحضر القاضي، وإذا حضر القاضي يمرض الكاتب، وإذا حضر القاضي والكاتب ونادراً ما يحصل لا يتم سوْق المتهمين من أماكن توقيفهم لجلسات المحاكمة، وتتذرع الأجهزة الأمنية المولجة بسوْق المتهمين بذرائع ليست بعيدة عن الواردة أعلاه. ولولا همّة بعض القضاة وحرصهم على إحقاق العدل لاستمر تكدس آلاف الموقوفين في السجون والنظارات بانتظار تحديد موعد جلسة لإصدار قرار إخلاء سبيل. وقد حصل قبل أسابيع أن أصدر أحد القضاة حكماً بتخلية اثنيْن من أبناء مدينة طرابلس بعدما تبيّن للقاضي بعد ثماني سنوات من الاحتجاز الظالم عدم وجود أدلة تربط بين الموقوفيْن والجريمة المتهمان بها. هذه القضية لم يسمع بها أحد، لكن جميع اللبنانيين سمعوا بأن القضاء سجن الضباط الأربعة المتهمين بالمسؤولية عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري أربع سنوات ليُخلى سبيلهم بعد ذلك، وضجّت المنابر الإعلامية وصدرت التصريحات والبيانات طوال هذه السنوات الأربع بالظلم اللاحق بهؤلاء الضباط.

في ظل كل هذه الظروف دبّ النشاط بالمحكمة العسكرية وقضاتها وضباطها، فتوفر التيار الكهربائي، وتمّ تأمين البنزين لسيارات القضاة والموظفين، فعقدت جلسة لإصدار الحكم على الشيخ أحمد الأسير بالضلوع بالأحداث التي شهدتها قرية بحَنّين شمال لبنان عام 2014 والاشتباك مع وحدات من الجيش اللبناني، فحكمت عليه بالحبس 20 عاماً وتجريده من حقوقه المدنية، وتغريمه 51 مليون ليرة. لم يفهم أحد الحاجة الماسّة والحدث الجلل الذي دفع هيئة المحكمة لتكبّد عناء الانعقاد والتباحث وإصدار الحكم في هذه الظروف الصعبة والحرجة، بما أن الشيخ الأسير موقوف ومحكوم.

حسب حكم المحكمة فإن الشيخ الأسير "أقدم على تدريب مجموعات مسلحة وتصنيع عبوات ناسفة بواسطة مسؤولين عسكريين يعملون معه، واشترك بعض هؤلاء في معارك بحنين ضد الجيش اللبناني". كل هذا فعله الشيخ الأسير وهو متخفّ متوار عن الأنظار والأجهزة الأمنية مع مخابراتها وعسسها ومخبريها مستنفرة للقبض عليه.

يأتي حكم المحكمة على الشيخ الأسير الذي ليس له أي تأثير أو تبعات بما أن الشيخ الأسير موقوف ومحكوم بالإعدام، وفي ظلّ الانهيار الذي تعيشه مؤسسات الدولة ليؤكد مزاعم يرددها كثيرون من أن القضاء في لبنان يتحرّك لخدمة السلطة الحاكمة وليس لإحقاق العدل بين الناس. فليس مفهوماً أن تصدر أحكام مشددة على الشيخ الأسير، بينما يتمّ التساهل مع المجرمين محتكري الأدوية الذين يتسبّبون بموت اللبنانيين كل يوم طمعاً بتحقيق أرباح، ويتمّ غضّ النظر عن تجار السوق السوداء الذين يستغلّون حاجات الناس، والمجرمين المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت مازالوا ينعمون في بيوتهم رغم مرور عام على الحادث، والمسؤولين عن انفجار خزان الوقود في قرية التليل العكارية لم يُعرف عنهم أحد، وجرائم القتل والسرقة والسلب المتزايدة كل يوم الموثّقة بكاميرات المراقبة لم يسمع عنها القضاء شيئاً.

أوّاب إبراهيم