أواب إبراهيم

استغرق الأمر عشرة أيام حتى توصل رئيسا الجمهورية ومجلس النواب إلى خلاصة بأن معالجة ما شهده الشارع في الأيام الماضية يكون من خلال المؤسسات الدستورية وفقاً للدستور والأنظمة والقوانين المرعيّة الإجراء، والتزام وثيقة الوفاق الوطني، وعدم السماح لأي خلاف سياسي بأن يهدد السلم الأهلي والاستقرار الذي تنعم به البلاد. لم يكن ليتوصل لهذه الخلاصة الرؤساء بعد لقائهم في قصر بعبدا لولا وساطة «أولاد الحلال» خاصة بعدما استعاد الشارع لدى الطرفين خطاب الحرب الأهلية والصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، وبعدما شهدت أكثر من منطقة لبنانية انتشاراً ميليشياوياً مسلحاً من الجانبين ظهر أمام وسائل الإعلام، لكن الأجهزة الأمنية لم تلاحق أحداً.. ولم توقف أحداً!!
عشرة أيام اشتعلت خلالها وسائل التواصل الاجتماعي بين جمهور الطرفين، تبادلوا فيها أطنان الشتائم «من الزنار ونازل»، ولم يوفرواً شرفاً ولا عرضاً ولا كرامة لأحد، وكان لفخامة رئيس الجمهورية وأفراد عائلته حصة وفيرة من الشتائم والاتهامات، الأمر الذي كان يفرض على النيابة العامة التحرك تلقائياً دون حاجة لأي ادعاء لملاحقة كل من أساء للرئيس، لكن النيابة العامة لم تتحرك، والأجهزة الأمنية لم تستدع أحداً.
بالتزامن مع هذا الخمول القضائي والأمني استدعت مخابرات الجيش فتاة بقاعية وحققت معها بشأن تعليق كتبته على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدت فيه وزير الخارجية. استدعاء الفتاة كان تطوّعاً من قبل مخابرات الجيش، التي لم تنتظر تقديم ادعاء شخصي فبادرت واستدعت الفتاة واحتجزتها في ثكنة أبلح يومين قبل أن يتم الإفراج عنها بسند كفالة.بالمناسبة صور رئيس الحكومة سعد الحريري تملأ صفحة الفتاة على موقع الفايسبوك.
قبل أيام أصدرت المحكمة العسكرية حكماً بالإعدام على متهم لمسؤوليته عن قتل أحد العسكريين الذين كانوا مختطفين لدى جبهة النصرة. والد العسكري أطل عبر وسائل الإعلام رافضاً اقتصار حكم الإعدام على الفاعل المباشر، مطالباً بإعدام الشيخ مصطفى الحجيري المعروف بأبو طاقية، متهماً إياه بأنه هو من أمر بقتل ابنه. الأجهزة الأمنية القضائية لم تنتبه إلى أن الوالد الذي يطالب بإعدام «أبو طاقية» هو نفسه يستحق الإعدام بعدما قتل الفتى حسين الحجيري ابن أخي «أبو طاقية» ورمى بجثته على ضريح ابنه، وتباهى بجريمته أمام وسائل الإعلام متوعداً بارتكاب المزيد، ولم يتوار عن الأنظار ولم يختبئ، وما زال يطل على وسائل الإعلام بصورة الأب المكلوم، لكن الأجهزة الأمنية لم تبادر إلى توقيفه، والقضاء لم يتحرك لتوقيف القاتل؟
استنسابية لافتة تتحكم بأداء الأجهزة الأمنية والقضائية. يدبّ فيها النشاط تجاه قضايا، ويصيبها الشلل تجاه قضايا أخرى. تستنفر أجهزة الدولة لتنفيذ مذكرة توقيف بحق مواطنين، وتتغافل عن توقيف آخرين. تسعى لتطبيق القانون بحق أناس، وتتغافل عن تطبيقه بذرائع مختلفة تجاه آخرين. تلاحق مذيعاً لأنه استضاف صحفياً أو محللاً سياسياً لم تكن مداخلاته منسجمة مع ما أرادت السلطة، وتدعي على مقدم برنامج ساخر لأنه نصح أحد القادة العرب بالتخفيف من الوجبات السريعة والهمبرغر.. في المقابل تتخلى عن مهمتها في تطبيق القانون وملاحقة القتلة والمجرمين والسارقين والفاسدين وقاطعي الطرق. تتحرك الأجهزة الأمنية لإلقاء القبض على شيخ ومفت سابق لمجرد الاشتباه، فيمكث  في السجن أياماً وأسابيع، ثم بعدما تثبت براءته أمام القاضي تميّز المحكمة القرار وتصدر مذكرة إلقاء قبض جديدة، وتحدد له جلسة المحكمة بعد خمسة أشهر. في المقابل، يتم ضبط إحدى المغنيات متلبسة بحيازة مخدرات في مطار بيروت، لا يستغرق الأمر أكثر ساعتين بعدما انتقل إليها المحققون وأخذوا أقوالها عوض أن تذهب إليهم، وتغادر لبنان سالمة غانمة.
حين بدأ الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب حول مرسوم أقدمية الضباط دعا الرئيس عون من لديه اعتراض إلى أن يشتكي أمام القضاء. جواب الرئيس بري كان أن الضعيف هو من يلجأ للقضاء، ويمكن اللجوء للقضاء عندما تصبح وزارة العدل غير تابعة لأي فريق سياسي. هذا ليس كلامي، بل كلام رئيس السلطة التشريعية.