العدد 1333 / 17-10-2018

قال لهم القنصل: ألا يمكنكم أن تقوموا بذلك في أي غرفة أخرى من القنصلية؟

لم يُعر فريق القتل كلام القنصل أي اهتمام، في هذا الوقت كان جمال خاشقجي يلفظ أنفاسه الأخيرة. تجنب القنصل النظر إلى ما يجري ، معتقداً أن ذلك سيعفيه من المسؤولية. دقائق بطيئة مرت حتى تأكد فريق القتل أن خاشقجي قد فارق الحياة. نظر القنصل إلى الذين أجهزوا على خاشقجي في مكتبه، بنظرات تخفي سؤالاً: وماذا بعد؟

ابتسم أحدهم ابتسامة العارف الواثق، وأومأ للقنصل بمغادرة الغرفة، لأنه وفريقه سيستكملون مهمتهم بإخفاء آثار الجريمة. خرج القنصل من مكتبه معتقداً أن فريق القتل يدري ما يفعل. لكنّ ما لم يكن يعرفه القنصل، هو أن الحاكم أرسل إليه من الرياض أغبى فرق القتل التي يمكن أن يشهدها التاريخ، فهم نفذوا حرفياً ماطلبه منهم الحاكم بالإجهاز على خاشقجي وكتم أنفاسه، لكنهم لم يفكروا بما بعد ذلك.

نظر القتلة إلى بعضهم بعضاً، وكل واحد منهم يظن أن المخرج سيكون لدى الآخر. استدعوا القنصل إلى مكتبه مجدداً، دخل القنصل فوجد جثة خاشقجي مازالت على سجادة المكتب. سأله فريق القتل إن كان لديه أي مقترح أو مخرج لإخفاء آثار الجريمة والجثة. دارت الأرض بالقنصل، وأدرك حينها أن ما حصل خلال الدقائق الماضية سيكون محطة مفصلية سوداء في مسار حياته. فهو ليس فقط شاهداﹰ على جريمة قتل، بل إنه سيشارك فيها بإخفاء آثارها، وان هو رفض التعاون مع فريق القتل، فعلى الأرجح سيكون مصيره كجمال خاشقجي وربما بطريقة أكثر وحشية. قال لهم القنصل، طالما أن الأوامر بدأت من عند الحاكم، فلا بدّ أن نعود إليه. هاتف القنصل مكتب الحاكم في الرياض علّ المخرج يكون عنده، لكن سكرتير مدير مكتب الحاكم أخبره أن مدير المكتب مشغول في الوقت الحالي، وهو في جميع الأحوال لايعرف شيئاً عن الموضوع، وختم السكرتير مستعجلاً إنهاء المكالمة بالقول "اقلع شوكك بايدك". وضع القنصل سماعة الهاتف بيديه المرتجفتين، وأخبر فريق القتل بما سمع.

قال أحد القتلة: طيب؟ ونظر إلى القنصل.

جمدت عينا القنصل، وأدرك أنه لم يعد فقط مشاركاً في جريمة القتل، بل قائداً لفريق القتلة، وأن الأغبياء الذين يقفون أمامه سيكونون السبب في نهايته.

قال أحدهم: ليس أمامنا إلا أن نخبئ الجثة في منزلك، فحتى لو تطورت القضية وحصلت متابعة، فالأنظار ستتجه إلى القنصلية وليس إلى منزلك المجاور.

-لم تجدوا مكاناً في مبنى القنصلية كله إلا منزلي كي تخفوا فيه الجثة؟ قال القنصل.

-نحن لا نستشيرك، أجاب آخر.

دخل أحدهم إلى مكتب القنصل، وقال إن سيارة مغلقة جاهزة في موقف القنصلية لنقل الجثة إلى منزل القنصل، وهذا ما حصل.

سارع فريق القتل لمغادرة القنصلية، وتوجهوا بسرعة إلى المطار حيث كانت تنتظرهم الطائرة، وبقي القنصل وحده في القنصلية، يفكر بالطريقة التي ستكون عليها نهايته.

بعد أيام، وبعدما انتشر خبر اختفاء جمال خاشقجي في القنصلية، وشيوع مقتله ، ورد اتصال إلى هاتف القنصل. فإذا بسكرتير مدير مكتب الحاكم يحدثه. أخبره المتصل أن الحاكم غاضب مما حصل، وأنه سيحاسبه ويحاكمه ، وأنه لن يفلت من العقاب. فمملكة الخير، لاتعرف إلا الخير، ختم المتصل حديثه.

وضع القنصل رأسه بين يديه، وأدرك أنه يعيش في الزمن الذي يقوده الصبية الأغبياء.

أوّاب إبراهيم