العدد 1404 / 11-3-2020

استدعى المدعي العام المالي الأسبوع المنصرم أصحاب واحد وعشرين مصرفاً لبنانياً لسؤالهم عن صحة الأخبار التي تشير إلى أنهم قاموا ببيع سندات اليوروبوند التي يملكونها إلى الخارج. أصحاب المصارف أقروا بكل وقاحة بصحة هذه الأخبار، وخرج محاميهم على الإعلام ليؤكدها مرة أخرى متذرعاً بأن ما قام به أصحاب المصارف قانوني ولا شائبة عليه.

لا نص قانوني يمنع أصحاب السندات من بيعها بالمبلغ الذي يشاؤون، رغم أن بيع أصحاب المصارف لسندات اليوروبوند لشركات أجنية بأسعار بخسة أراد من خلاله أصحاب المصارف تهريب أموالهم بالتخلص من هذه السندات، بعدما وردت أنباء عن توجه للحكومة بدفع سندات اليوروبند للخارج وإعادة هيكلة سندات الداخل. وما قام به أصحاب المصارف زاد من حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وأحرج الحكومة، وساهم في ضعف السيولة وشح النقد، وكان عاملاً ضاغطاً لتخلف الحكومة عن سداد الاستحقاق بعدما تضاعف حجم المبلغ المطلوب.

التصرف الجشع والأناني الذي قام به أصحاب المصارف يطرح إشكالية تحتاج لبعض النقاش، هل كل ما هو قانوني مقبول أخلاقياً وإنسانياً ووطنياً، أم أن قانونية الأمر لا علاقة لها بالأخلاق والإنسانية والوطنية. وهل معيار الاحترام يقوم على التزام المرء بالقانون أم أيضاً بالأخلاق والإنسانية والوطنية؟!.

أمثلة كثيرة تحصل كل يوم تطرح إشكالية التباعد بين ما هو قانوني وما هو أخلاقي. مثلاً، قد يكون قانونياً إصدار رئيس الجمهورية عفواً رئاسياً هو من صلاحياته الدستورية على تاجرة مخدرات أدانتها المحكمة، لكن هل هذا التصرف أخلاقياً في الوقت الذي يقبع مئات الموقوفين في السجون يستجدون جلسة للتحقيق معهم كي تظهر براءتهم. قد يكون قانويناً إصدار السلطة مرسوم تجنيس يتضمن أسماء أشخاص عشرات الأسماء من بينهم أشخاص متموّلين تدور حولهم شبهات فساد ولا يعيشون في لبنان، لكن ذلك ليس أخلاقياً في ظل حرمان آلاف الأشخاص الذين ولدوا وعاشوا في لبنان منذ عقود ولا يعرفون سوى لبنان بلداً لهم، رغم ذلك يتم حرمانهم من الجنيسة؟.

لاشائبة تحوم حول حصول رئيس الجمهورية على رواتب متراكمة من المناصب التي تولاها منذ كان قائداً للجيش مروراً بترؤسه حكومة عسكرية يتمنى اللبنانيون نسيان ما قامت به، مروراً بفوزه بمقعد نيابي، وحالياً في موقع الرئاسة. فهذا حقه الذي لا جدال فيه. لكن هل يبقى الأمر مقبولاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها اللبنانيين؟!. من القانوني حصول أحد أبرز ضباط الجيش المرشحين لتبوّأ منصب القيادة على شهادة اعتلال طبي لينال تعويضاً كبيراً بعد إحالته للتقاعد، لكن هل يعد ذلك أخلاقياً؟!. من القانوني أن يسافر وزير بطائرة خاصة لأحد أصدقائه، لكن ألا يطعن ذلك بصدقية الوزير ونزاهته وشفافيته؟!.

قد يكون الحصول على قرض من بنك الإسكان حق مشروع لكل مواطن لبناني، لكن حين يكون هذا المواطن هو أحد أثرى رجال الأعمال ويحصل على قرض بمليارات الليرات حارماً عشرات اللبنانيين المحتاجين من الحصول على قرض سكني، هل يكون هذا التصرف أخلاقي وإنساني؟!.

هل من الأخلاقي أن يقدم أحد كبار السياسيين اللبنانيين ملايين الدولارات هدية لعارضة أزياء أجنبية لقاء خدمات مجهولة، في الوقت الذي يشكو مئات الموظفين العاملين في مؤسساته من عدم قبض رواتبهم؟ هي أمواله وهو حرّ فيها يصرفها كيف يشاء، لكن هل يعتبر هذا التصرف أخلاقياً ويستحق صاحبه الاحترام؟!.

طبيعة القوانين أنها تتغير وتتبدل وتتطور باستمرار تبعاً لحاجة الشعوب، لكن المشكلة تكمن في أن الذين يسنّون القوانين هم النافذون في السلطة، الذين يصوغونها كي تلبي مصالحهم، ويتركون لأنفسهم ثغرات يمكن من خلالها التحايل على القوانين والالتفاف عليها. أما الأخلاق فثابتة لا تتغير مهما تبدلت الظروف، وأي محاولة للالتفاف عليها هو بحد ذاته عمل غير أخلاقي.

أوّاب إبراهيم