أواب إبراهيم

نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي، ولم يعد هناك أي ذريعة يمكن الطبقة السياسية أن تقدمها للبنانيين لتبرير التأخير في انطلاق عجلة العهد الجديد. وكما كان متوقعاً، ساهم الاتفاق المسبق الذي تمّ بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري في تذليل العقبات التي اعترضت طريق تشكيل الحكومة، وحال دون وضع العصي في دواليب صياغة بيانها الوزاري، وامتدت بركته لتصل إلى ساحة النجمة وسط بيروت، حيث توالى رفع النواب لأيديهم مانحين ثقتهم للحكومة. وعليه فإن من المنتظر ابتداء من الأسبوع المقبل، بعد انتهاء عطلة الأعياد، أن تشرع الحكومة بدورها المنتظر العمل بشكل فاعل ورسمي، وأن تبدأ بإقرار البنود المتراكمة على طاولة مجلس الوزراء، والانكباب بشكل جدي لإيجاد مخارج للمشكلات الكثيرة التي تضغط على صدور وجيوب اللبنانيين، لا سيما المعيشيّة والاقتصادية.
يدرك الجميع أن العمر الافتراضي للحكومة لن يزيد على عدة أشهر. فبعد الانتخابات النيابية التي من المفترض أن تجري منتصف العام القادم، تستقيل الحكومة، لتبدأ حكاية جديدة من بدايتها، فيختار رئيس الجمهورية رئيساً جديداً للحكومة بناء على الاستشارات النيابية. وبما أن بركة الاتفاق المسبق ستمتد إلى ما بعد الانتخابات، وبما أن النتائج المتوقعة لن تختلف كثيراً عما هو قائم، فإن رئيس الحكومة الذي سيختاره رئيس الجمهورية هو الرئيس سعد الحريري الذي سيتولى تشكيل حكومة جديدة، ويشرف على صياغة بيان وزاري جديد تنال بناءً عليه ثقة المجلس النيابي المنتخب. لكن القول بأن عمر الحكومة الحالية لن يكون طويلاً، لا ينبغي أن يدفع إلى التقليل من أهمية الدور المنوط بها. صحيح أنها أشهر قليلة، لكن بنداً رئيسياً ومفصلياً على طاولة مجلس الوزراء ينبغي منحه الأهمية والأولوية، وأن يتم بحثه والمسارعة بإحالته إلى مجلس النواب لإقراره، ألا وهو التوصل إلى قانون انتخابي جديد. فإجراء الانتخابات النيابية بناءً على القانون الانتخابي الأكثري، سيشكل صفعة موجعة للعهد الجديد، وضربة لكل الآمال التي وضعها اللبنانيون على هذا العهد بتغير الحال وتحسن الأحوال. 
شهر العسل الذي شهدناه منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة ليس متوقعاً أن يمتد ليشمل الاتفاق على القانون الانتخابي الجديد، خاصة إذا عرفنا أن أي تغيير في أحجام القوى والكتل السياسية بناءً على ما ستفرزه الانتخابات النيابية سينعكس على طريقة التعامل معها وعلى الحصة التي ستنالها في أي قسمة سياسية مقبلة. وعليه، فإن جميع القوى السياسية لن تتساهل في موضوع القانون الانتخابي كما تساهلت في تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري، وهي مستعدة لتستأسد على الآخرين وقلب الطاولة عليهم إذا ما توافقوا على قانون انتخابي لايضمن زيادة حجم كتلتها النيابية، أو على الأقل عدم تراجع حجمها. وما دامت الطبقة السياسية التي تمثلت بالحكومة هي التي تقوم بحياكة القانون الانتخابي الجديد، فإن الأمور لا تدعو لكثير من التفاؤل، لأن هذه الطبقة لن تسمح بأن يتراجع حجمها من خلال قانون يعكس تمثيلاً حقيقياً للبنانيين. 
ليس من المنتظر ولا المتوقع من الحكومة الجديدة أن «تشيل الزير من البير»، ولا أن تجد حلولاً نهائية للمشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية والمعيشية والحياتية الكثيرة التي يعاني منها اللبنانيون، لكن أمراً واحداً تبقى الآمال معقودة على هذه الحكومة لإنجازه، هو إقرار قانون انتخابي عصري ينهي احتكار التمثيل لطبقة سياسية متناقضة في التوجهات السياسية لكنها متعاونة ومتحالفة في توزيع الحصص والمغانم، وهو ما اعتادته الطبقة السياسية منذ عهد الوصاية السورية وحتى يومنا هذا، ويأمل اللبنانيون أن ينتهي هذا الواقع، وأن يشهدوا ولادة طبقة سياسية جديدة.
مصداقية رئيس الجمهورية على المحك، وإذا انطلق العهد الرئاسي بقانون انتخابي يساهم في إنتاج الطبقة السياسية نفسها التي عشّش الفساد بين جنباتها، ويهمش شرائح أساسية في المجتمع، فإن تشويهاً كبيراً سيصيب صورة هذا العهد، وسيخيّب آمالاً كثيرة علقت عليه للتغيير.