أواب إبراهيم

من حيث الشكل يمكن القول إن ميشال عون رئيساً للجمهورية اختلف كثيراً عن ميشال عون زعيم «التيار الوطني الحر». نجح الرجل في تقديم صورة متوازنة لرئيس على مسافة واحدة من جميع الأطراف، رغم إدراك الجميع التزامه الحلف المقدس مع حزب الله، أو بالأحرى عدم استطاعته الخروج من هذا الحلف. وإذا تجاوزنا السقطة التي وقع فيها عون في تصريحه بأن الجيش اللبناني غير قادر على حماية لبنان وأنه بحاجة لبقاء سلاح حزب الله، التي زاد أذاها على سقطته على درج القمة العربية في البحر الميّت.
هذا من حيث الشكل، أما من حيث الضمون وبعد أشهر العسل التي انطلق فيها العهد، فإن كل شيء يشير إلى أن شيئاً لم يتغير، وأن منظومة الفساد مازالت على حالها، وأنها باقية وتتمدد. ولعلّ الكلام الذي قاله النواب في جلسات مساءلة الحكومة قبل أيام يؤكد أن شيئاً لم يتغير، وأن مسارب الهدر الكثيرة تنهش جسد الإدارة. وفي حين كان اللبنانيون ينتظرون من رئيس الجمهورية تحركاً يزيح شبح الخيبة التي شعروا بها، فإن فخامته جمع  من حوله مجموعة مستشارين ومجموعة من جمعيات الرفق بالحيوان في حديقة قصر بعبدا، وأعلن الحرب على صيادي الطيور المهاجرة.
الغراب الأسود الجاثم فوق إحدى أشجار حديقة قصر بعبدا ينتظر اللحظة المناسبة لبناء عش فيه، يحمل بين مخالبه ورقة صغيرة كتب عليها: «قانون الانتخابات». فرغم كل الخيبات التي أصابت اللبنانيين، إلا أن البعض ما زال يراهن على أن قانون الانتخابات سيشكل بقعة ضوء في النفق المظلم، وسيعيد البريق الذي فقده رئيس الجمهورية سريعاً، خاصة إذا تم التوصل إلى قانون انتخابي يتوافق مع الشعارات التي كان رفعها فخامة الرئيس لتمثيل جميع اللبنانيين بعيداً عن المحادل الانتخابية والطائفية. المفارقة هي أن كل ماكان يرفع رئيس الجمهورية لواءه حين كان في منزله في الرابية لم يعد يجد مكاناً في قصر بعبدا. وما يمسك رئيس الجمهورية من التصريح به يعلنه صهره جبران باسيل، فيفاوض باسم الرئيس، ويحبط كل يوم عنواناً من العناوين التي كان يرفعها رئيس الجمهورية قبل انتخابه.
رفض فخامته التوقيع على دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات النيابية، لأنه لا يريد إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين الذي طالما أعلن رفضه. في المقابل أعلن مبكراً أنه يرفض أي تمديد لمجلس النواب، معتبراً أنه إذا كان الخيار بين الفراغ في السلطة التشريعية وبين التمديد فإنه يفضل الفراغ. موقف الرئيس هذا أدى الغرض منه، وهو الضغط على القوى السياسية للتوصل إلى قانون انتخابي، لكن المفاجأة جاءت من أهل بيت الرئيس، فقد تبيّن أن المطلوب ليس التوصل لقانون انتخابي جديد، بل  القبول بالقانون الذي يريده الرئيس وفريقه، وقد تصدى لهذه المهمة صهر الرئيس الذي يتحدث نيابة عن صمت الرئيس. جميع المقترحات مرفوضة طالما أن الصهر لم يقبل بها، حتى حزب الله الذي يفترض أن العلاقة بينه وبين قصر بعبدا استراتيجية ومميّزة، وقد عاد وفد الحزب بخفي حنين بعد لقائه برئيس الجمهورية، بعدما رفض الصهر جميع المقترحات التي قدمها.
رئيس الجمهورية يقول لحلفائه قبل خصومه: إما أن تُجرى انتخابات نيابية وفق القانون الذي يناسب صهري، فيؤمّن مقعده النيابي في البترون ويزيح من دربه غريمه التاريخي بطرس حرب، وينجح في تحجيم سليمان فرنجية في زغرتا، الذي فكر في أحد الأيام بالوصول إلى قصر بعبدا، ويساهم في تقليص نفوذ حزب الكتائب في المتن.. وإما فلا تنتظروا حصول انتخابات. يقول للبنانيين: دعكم من كل الشعارات التي سمعتموها مني، لاصحة تمثيل ولا شفافية وعدالة إذا لم تؤدّ الانتخابات النيابية لتوسيع كتلة التيار الوطني الحر، وإذا لم يكن زوج ابنتي راضياً عني وعنكم. عليكم أن تقبلوا بذلك، وإلا ينتظركم الفراغ في مجلس النواب. رئيس الجمهورية من خلال صمته ومكابرة صهره كأنه يقول: أيها اللبنانيون، العهد عهدنا وعهد صهرنا، والوقت قد حان لننعم بالسلطة التي طالما سعينا لها.. وما حدا أحسن من حدا.