أواب إبراهيم

تابع العالم استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاجئ إفريقي ومنحه الجنسية الفرنسية تقديراً له على ما قام به لإنقاذ طفل كان يتدلى من مبنى سكني. صفق الشعب الفرنسي لخطوة رئيسهم، خاصة أن وسائل الإعلام سلّطت الضوء على العمل البطولي الذي قام به اللاجئ الإفريقي بتسلقه طوابق المبنى للوصول إلى الطفل وإنقاذه.
كما تابع العالم قبل أشهر مقطعاً مصوراً انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه الرئيس ماكرون وهو يؤنّب لاجئاً طلب منه منحه الجنسية الفرنسية. ماكرون كان واضحاً في رفض طلب اللاجئ، وقال له أن لا مبرّر لمنحه الجنسية، وطلب منه مغادرة فرنسا والعودة إلى بلاده. مرة أخرى كان الفرنسيون يتابعون رئيسهم وصفقوا له على ما فعل.
في المرة الأولى صفق الفرنسيون لمنح اللاجئ الإفريقي الجنسية لأنه قام بفعل جعله يستحقها، وفي المرة الثانية صفقوا أيضاً لأن من طلب الجنسية لم يكن يستحقها، فأكد الرئيس الفرنسي لشعبه أنه استحق الثقة التي منحوه إياها وأحسن استخدام الصلاحيات التي منحه إياها الدستور. فكما في لبنان كذلك في فرنسا، يسمح الدستور لرئيس الجمهورية بمنح الجنسية لمن يشاء بموجب مرسوم خاص.. صحيح أن هذه الصلاحية غير مشروطة، لكن المشرّع افترض أن رئيس الجمهورية سيستخدم هذه الصلاحية بحكمة، وأن يتم منح الجنسية بناء لأسباب منطقية مقنعة. 
رئيس الجمهورية ميشال عون لم يخطئ بتوقيعه مرسوم التجنس، بل مارس حقاً نص عليه الدستور، لكن الخطأ القاتل الذي وقع به ومعه رئيس الحكومة ووزير الداخلية، أنهم تعاملوا مع المرسوم كالمرتكب الذي يريد إخفاء جريمته. فلم يتم الإعلان عنه، ويتم التحايل لإخفاء أسماء من شملهم، والتعامل مع المطالبين بكشف الأسماء بصبيانية وسذاجة. رئاسة الجمهورية رمت الكرة في ملعب وزارة الداخلية، ووزير الداخلية أعاد الكرة إلى ملعب الرئاسة، واللبنانيون يشاهدون هذا الهروب والتملص بكثير من التشكيك. 
فرغم أن الدستور لا يشترط نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، لكن لو أرادت رئاسة الجمهورية قطع الألسن والرد على الاتهامات التي وجهت إليها لكانت أعلنت أسماء المجنّسين، فالقضية باتت تشغل اللبنانيين، وتصرّ كتل نيابية وازنة وأحزاب رئيسيّة على الكشف عن المرسوم. ولم يعد من المفهوم هذا الحرص على عدم النشر، بل إن رئيس الجمهورية وبما يشبه التراجع عن المرسوم طلب من المدير العام للأمن العام مراجعة الأسماء الواردة فيه، ما زاد في حدة التشكيك والتساؤلات.
فريق رئيس الجمهورية يسعون بكل ما امتلكوا من وسائل لرد التهم التي وجهت لهم على خلفية المرسوم. الذريعة الأبرز هي التذكير بأن رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وقع مرسوماً مشابهاً في الأسبوع الأخير من ولايته الرئاسية، ولم نسمع حينها انتقادات واتهامات كما نسمع الآن، ما يعني –حسب المدافعين عن الرئيس عون- أن الاتهامات متعمدة لاستهداف الرئيس ومحاولة الإساءة إلى العهد القوي. ربما هذا صحيح، لكن الفارق أن توقيع الرئيس سليمان جاء في ظل أزمات تعصف بلبنان، وفراغ رئاسي استمر أشهراً بعد ذلك، ولم يكن مرسوم التجنيس مشكلة تذكر إزاء المشكلات الكثيرة التي كانت تشهدها البلاد، كما أن الرئيس سليمان وقع المرسوم وغادر السلطة، فلم يعد هناك معنى لاتهامه وهو خارج السلطة. علاوة على ذلك، كانت اتهامات وانتقادات فريق رئيس الجمهورية الحالي للرئيس سليمان أكثر حدّة وإساءة بأشواط مما يتم توجيهه اليوم للرئيس عون، ولم يكن مرسوم التجنيس قضية تذكر أمام كيل الاتهامات والانتقادات الجارحة التي وجهت للرئيس سليمان حينها. الأهم من كل ما سبق، منذ وصل العماد عون إلى سدة الرئاسة، وفريقه يخبرنا أن عهداً جديداً قد بدأ، وأن صفحة الدولة الضعيفة قد انتهت لتفتح صفحة للدولة القوية، دولة مكافحة الفساد والنزاهة. فإذا كان فريق الرئيس سيتذرّع بما قام به سلفه لتبرير أفعاله، فإن هذا يعني أن شيئاً لن يتغير، وأن الصفحة الجديدة التي اعتقد البعض أنها فتحت ما هي إلا صفحة منسوخة عن التي سبقتها.