العدد 1335 / 31-10-2018
أواب إبراهيم

شاعت الأجواء الإيجابية وتحضر الجميع لولادة الحكومة، بعدما تم حل آخر عقدها المتمثلة بحصة القوات اللبنانية. لكن فجأة طفت على السطح عقدة تمثيل بعض النواب المسلمين السنّة الذين لاينتمون لتيار المستقبل. الرئيس المكلف سعد الحريري كان أعلن باكراً أنه ليس في وارد القبول بتمثيل هؤلاء النواب من حصته، في حين كان هؤلاء النواب (وجميعهم من حلفاء حزب الله) يجتمعون كل حين ويطلقون تصريحات متباعدة حول الغبن اللاحق بهم، لكن لم يكن أحد يعتقد أن يشكلوا عقدة تعترض طريق إعلان الحكومة.

بخلاف ما تتم إشاعته، فالنواب الستة المطالبين بتوزير أحدهم ليسوا كلهم تبع لحزب الله. فمن بينهم شخصيات وطنية تملك حيثيات حقيقية في بيئتها. فعبد الرحيم مراد لم يكن يوما تابعاً لحزب الله وان كان حليفاً له، وهو يملك شعبية وازنة في منطقة البقاع ساهمت في تعزيزها المؤسسات التربوية التي بناها وأشرف عليها. فيصل كرامي كذلك، هو من بيت سياسي عريق، هو ابن الأفندي عمر كرامي وابن أخ الشهيد رشيد كرامي، وحفيد الزعيم الوطني عبد الحميد كرامي. جهاد الصمد بدوره يعدّ رقماً صعباً في منطقة المنية الضنية، وقد حاز أكثر من عشرة آلاف صوت تفضيلي في منطقته، وهو من عائلة ضناوية عريقة. حتى عدنان طرابلسي، فرغم اختلاف جمعية المشاريع (الأحباش) التي ينتمي إليها مع معظم أطياف الساحة الإسلامية، إلا أن أحداً لا يمكنه إنكار التمثيل الذي حازته الجمعية في بيروت، وكذلك في طرابلس والتي كادت تأتي للجمعية بنائب ثان.

إذاً النواب السنّة الذين يُطالب لهم بمقعد وزاري ليسوا كلهم طارئين على بيئاتهم، وهم ربما يستحقون مقعداً وزارياً درزيا يمثل ناخبيهم. لكن ما أضرّ بمظلمتهم، وأعطاها بعداً سلبياً، هو أن من يرفع لواء المطالبة بمقعدهم الوزاري هو حزب الله. وفي التركيبة السياسية الطائفية كل طائفة تطالب بحصتها، وليس لها التدخل بحصة الطوائف الأخرى. لذلك كانت ثورة وليد جنبلاط واستنفار الساحة الدرزية حين شعروا أن رئيس الجمهورية (الماروني) يريد أن يسمّي وزيراً يمثلهم. فكيف الحال، وحزب الله الشيعي وأحد أركان المحور الإيراني يريد فرض وزير على سعد الحريري (السنّي) وأحد أركان المحور السعودي في ظل الحرب المستعرة بين المحورين؟!.

ما يجب إدراكه جيداً، هو أن مطالبة حزب الله بمقعد لحلفائه ليس كرم أخلاق منه، ولا طيبة وحرصاً منه على إحقاق الحق.فالهدف الذي يسعى إليه الحزب هو كسر احتكار سعد الحريري ومن ورائه المملكة العربية السعودية لتمثيل الطائفة السنية في لبنان. وهو بدأ مسعاه مبكراً حين اشترط قانوناً انتخابياً على أساس النسبية، أراد منه إبراز مكونات أخرى في الطائفة السنية خارج عباءة الحريري، وهو ما تحقق فعلاً في الانتخابات، وساعد في تحققها تراجع شعبية سعد الحريري وتناقص عدد كتلته النيابية.

ما يجب الإقرار والتسليم به، هو أن المأزق الذي وصل إليه سعد الحريري ومعه السعودية هم من تسببوا به لأنفسهم. فلو أن السعودية ومعها الحريري سعت -فعلاً لا قولاً- لترتيب البيت السني واحتواء جميع مكونات الساحة الإسلامية ورعاية التعاون فيما بينها، لما وجد حزب الله كوّة يتسلل من خلالها. لكن الحريري رفض التعاون مع أي من فرقاء ساحته، وأراد احتكار تمثيل الطائفة السنيّة بشخصه وكتلته، ومارس عزلا لكل من أراد أن يغرّد خارج عباءته، فكانت النتيجة في صناديق الاقتراع تراجعاً كبيراً وخسارة للكثير من المقاعد التي كان يمكن حيازتها لو أدار الانتخابات بطريقة أخرى. فلو تعاون الحريري مع أطياف ساحته، أو سعى لتشكيل ائتلاف انتخابي يشمل كل الأراضي اللبنانية مع القوى التي يتوافق معها ببعض الرؤى، لما أتيح لحزب الله أو لغيره أن يفرض شروطاً عليه.

أوّاب إبراهيم