العدد 1351 / 27-2-2019
أواب إبراهيم

تناقل اللبنانيون تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة سعد الحريري على هامش حضوره القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ. الحريري تغزّل من دون مناسبة وبلا مجرّر برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي. وهو لم يجد شيئاً مناسباً يتغزّل به أكثر من الإجراءات الاقتصادية التي أجراها السيسي في مصر فزادت المصريين فقراً. ولولا "الرز" السعودي و الإماراتي لانهار الاقتصاد ولعمّت المجاعة بين الناس. الحريري حرص كذلك على الإشادة بالتعاون الكبير القائم على أعلى المستويات بين مصر ولبنان في مجال الأمن والمعلومات ومكافحة الإرهاب. وفي هذا الإطار، يجدر ذكر أن هذا التعاون الوثيق أدى لاختطاف جهاز أمني لبناني ثلاثة مصريين من مطار بيروت وقام بترحيلهم عام 2014 إلى القاهرة دون أي سند قانوني ودون استنابة قضائية. جاء ذلك بأمر من وزير لبناني التزم بأوامر رؤسائه ضباط المخابرات المصرية، وكما تفعل العصابات تمّ ترحيل المصريين الثلاثة إلى مصر ليواجهوا أحكام الإعدام، والسلطة القضائية في لبنان لاتدري شيئاً.

بالعودة للشيخ سعد، ليس مقدور الحريري نسيان الفضل الكبير الذي فعله السيسي معه حين كان الأول محتجزاً في الرياض. فالسيسي قام بجهد كبير لإطلاق سراح الحريري من معتقله السعودي، ولعب دوراً محورياً إلى جانب الرئيس الفرنسي في التوصل إلى الصيغة التي تم من خلالها سحب الحريري من أنياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لذلك يشعر الحريري بفضل السيسي ببقائه على قيد الحياة رئيساً للحكومة اللبنانية.

أن يكون للسيسي فضل شخصي على الحريري فهذا شأن الرجلين لن نتدخل فيه، لكن ليس للحريري أن يدخلنا جميعاً كلبنانيين في هذا الفضل. ولو كان للسيسي دور في حماية الحريري وإبعاده عن فندق الريتز كارلتون بالرياض، فهذا يستدعي من الحريري أن يرد فضل السيسي عليه، ربما بإهدائه سيارة، أو أن يدعوه لمطعم مأكولات بحرية، أو أن يصحبه للقيام بجولة في طائرته الخاصة. لكن ليس للحريري ولا لغيره أن يقحم لبنان واللبنانيين في رد جميل فعله معه السيسي. فإن كان الأخير حمى الحريري من بطش محمد بن سلمان، فإنه من جهة ثانية يقضي على حياة خيرة شباب مصر بإعدامهم وتعذيب الآلاف في سجونه. وهؤلاء، تشعر شريحة واسعة من اللبنانيين بالتعاطف معهم ومشاعر الكراهية للسيسي ومن معه.

صحيح أن أداء السيسي تجاه الإسلاميين كان فجاً ودموياً، لكن ذلك لايعني أن الحريري لايشاطره النظرة للإسلاميين، بل يعود إلى أن قوة الإسلاميين في مصر وشعبيتهم الكبيرة تشكل بديلاً للنظام في أي انتخابات نزيهة قد تحصل، لذلك يكون الحل بملاحقتهم والتضييق عليهم، وإعدامهم وزجّهم في السجون. أما في لبنان فالإسلاميون لايشكلون هذا التهديد، ربما بسبب تركيبة لبنان الطائفية، وربما بسبب ضعف الإسلاميين أنفسهم. لذلك، لا يجد الحريري اي داع لمخاصمة الإسلاميين بشكل فجّ أو محاربتهم، طالما أنه يمكن استيعابهم او تهميشهم، كما فعل في الانتخابات النيابية. لكن في الوقت الذي تتغير فيه الظروف، وتقوى شعبية الإسلاميين ويشكلون منافساً حقيقياً لتمثيل الحريري السياسي، فربما تخرج أنياب لم نكن نلحظها سابقاً.

بعد الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي في مصر، مرت العلاقة بين الجماعة الإسلامية في لبنان وسعد الحريري بكثير من البرود. سبب هذا البرود استياء الحريري من تعليق ناقد لمسؤولين في الجماعة على وسائل التواصل الاجتماعي للمجزرة الدموية التي ارتكبها السيسي في ميدان رابعة العدوية، وراح ضحيتها مئات الشهداء. فدولة الرئيس يعتبر أي نقد للسيسي نقد لشخصه الكريم.

ما يجب إدراكه جيداً وعدم الانخداع بخلافه، هو أن سعد الحريري وعبد الفتاح السيسي جزء من المحور نفسه. فمن أدخل السيسي لمنظومة الحكم في مصر هو نفسه من أدخل الحريري منظومة الحكم في لبنان. قد تبدو الشخصيتان مختلفتان في الشكل، لكن في المضمون يتفقان في العداء لكل ما له علاقة بالحركة الاسلامية .

أوّاب إبراهيم