العدد 1386 / 13-11-2019

استقال وزراء القوات اللبنانية من الحكومة، فلقي سمير جعجع وحزبه تعاطفاً من الشارع المسيحي، وارتفعت شعبيته بين الناس، وبدأ الحديث عن استثناء القوات اللبنانية من شعار "كلّن يعني كلّن" طالما أن وزراء القواتا ستجابوا لمطالب الشارع وقدموا استقالتهم، وكأن هذه الاستقالة تمنح صك براءة تصفح عما قبلها.

قدّم الرئيس سعد الحريري استقالته رغم محاولات أقطاب الحكومة الآخرين ثنيه عن خطوته، فلقيَ تعاطفاً في شارعه، وارتفع مستوى أدرينالين التعاطف والتبعية لدى مناصريه، وبدأ محبّوه يرددون أن الحريري ضحّى بنفسه واستجاب لمطالب الثورة، وأنه باستقالته قدم مثالاً على النزاهة، وبالتالي لم يعد "واحد منن"، رغم أن جميع شبهات الفساد التي تحيط بالحريري أو المحيطين به لم يتم التدقيق فيها أو التأكد من صحتها.

أقدم أحد العسكريين على قتل المواطن (الدرزي) علاء أبو فخر في منطقة خلدة أمام أعين زوجته وأبنائه. لكن بما أن الضحية درزي ينتمي للحزب التقدمي الاشتراكي، فإن الحادثة الأليمة انعكست تعاطفاً كبيراً مع الزعيم وليد جنبلاط، وتقديراً لحكمته وتحلّيه بالمسؤولية، وبدأت تظهر في أعين الناس علامات تحييد جنبلاط المكلوم بمقتل أحد مناصريه عن شعار "كلن يعني كلن"، علماً أن جنبلاط متهم انه أحد رموز الفساد التي ثار من أجلها الشارع، وهذا ليس اتهاماً بل اعتراف من جنبلاط نفسه في مقابلة متلفزة.

هي العاطفة البلهاء التي نجح الثائرون في الشارع من تجاوزها وعليهم الحذر من عودتها، والابتعاد عنها والدوس عليها، لأنها السبب في أزمات اللبنانيين. هي العاطفة الطائفية العمياء التي تدفع مناصري الزعيم للتهليل والتصفيق له رغم أنه لم يقدم شيئاً لجمهوره، وكل ما قام به هو تحقيق مصلحته وزيادة ثروته والاستمرار في نهب وسرقة اللبنانيين.

لا استثناء لأحد، "كلّن يعني كلّن" مسؤولون عن ما وصل إليه لبنان. وإذا كان رئيس الجمهورية منزعج من هذه الشمولية فلا بد من التوضيح لفخامته. "كلّن يعني كلّن" يا فخامة الرئيس ومنهم أنت، يجب أن يتم التحقيق معهم بالمزاعم الموجّهة إليهم. "كلّن" يجب أن يخضعوا للمحاسبة، ولا خط أحمر لأحد، مهما علا شأنه أو بلغت قدسيته لدى جمهوره. وبخلاف القاعدة القانونية "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، فإن السياسي في لبنان مدان حتى تثبت براءته، وهذا ليس تعسّفاً أو ظلماً، لكن الفساد والسرقة والنهب الذي أصاب الدولة وشبهات الفساد التي تحيط بكل الطبقة السياسية أوصل إلى قناعة بأنهم جميعاً فاسدون، والاستثناء هو البراءة من تهم السرقة والفساد وهذا لايكون إلا بتحقيق ومحاسبة. ولا يعفي الزعيم أو الصهر أو الوزير المفاخرة والمكابرة البلهاء ومحاولة خداع اللبنانيين بأنه رفع السرية المصرفية عن حساباته، فالفاسد الذي احترف السرقة ونهب خيرات البلد، يحترف كذلك إخفاء سرقاته وتبييض صفحته.

قدّم اللبنانيون خلال الأسابيع الماضية صورة جديدة لهم، بتجاهلهم انتماءاتهم الطائفية، واستخدامهم وقوداً للتنافس الأعمى بين الطوائف، الأمر الذي تتلطى وراءه الطبقة السياسية للاستمرار في مقاعدها. وبرزت في وسائل التواصل الاجتماعي مواقف لرجال دين وناشطين من كل الطوائف يؤكدون عدم ممانعتهم البدء بمحاسبة زعيمهم الطائفي، طالما أن هذا الزعيم هو فاسد. هذا المنطق العقلاني في حال صموده لدى الناس في الشارع في مواجهة محاولات أعداء الثورة تطييفها وإعادة اللبنانيين غنماً لدى زعيمهم، سيقطع الطريق أمام سرقة الثورة وسلب ما حققته حتى اليوم.

إذا أراد اللبنانيون إصلاح أحوالهم، فلا مكان للعاطفة، الزعيم الذي تصفق له الجماهير وتصرخ من أجله "بالروح بالدم نفديك يا زعيم" استغلّك وسيواصل استغلالك طالما أنك تشعر بأن وجودك مرتبط ببقائه في السلطة.

كلهم فاسدون حتى تبثت براءتهم، كلّهم يعني كلّهم، سواء الذين سرقوا ونهبوا فعلاً، أو الذين كانوا يجلسون على مقاعد المتفرجين يشاهدون السرقة والنهب من أصدقائهم وحلفائهم ولم يجرؤوا على الاعتراض ورفع الصوت.

كلهم فاسدون، فسادهم عابر للطوائف والمذاهب، يستغلّون عواطفكم وقلوبكم لتهديد الآخرين بكم، لكنهم في الأعلىمتوافقون فيما بينهم يداً واحدة عابرة للطوائف في السرقة والنهب والفساد.

أوّاب إبراهيم