العدد 1345 / 16-1-2019
أواب إبراهيم

خمسة عشر طفلاً سورياً فارقوا الحياة في مخيمات داخل سوريا نتيجة البرد ونقص المساعدات الطبية.هذا ما كشفت عنه منظمة اليونيسف في تقرير لها أصدرته قبل أيام. خبر حظي بكلمات قليلة في نشرات الأخبار. فمأساة الأطفال الذين قضوا برداً ذنبهم أنهم رحلوا دون أن يجدوا كاميرا أو هاتفاً ذكياً يصورهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، أو ينقل معاناتهم حين كانت أجسادهم ترتجف برداً وصقيعاً يستبق المأساة قبل تسليم أرواحهم لبارئها. فمضوا بصمت، وغادروا عالماً ظالماً مُظلماً، يتحرك بعاطفة كاذبة لاتتجاوز شاشة الهاتف الذكي، لكنه ليس مستعداً للإقدام على أي خطوة حقيقية تخفف المعاناة وترفع المأساة. ما يواسي الأطفال الذين قضوا، أنهم انتقلوا إلى رحاب رب عادل، سيشكون له حتماً الظلم والقهر الذي تعرضوا له من أهل الأرض.

الصراخ والعويل والنحيب الذي سمعناه –ومازلنا- من المواطنين اللبنانيين خلال الأيام الماضية جراء الأضرار والمعاناة التي خلفتها العواصف التي ضربت لبنان والمنطقة، لاتعد شيئاً أمام ما تعرض له النازحون السوريون في مخيماتهم البالية، سواء في لبنان أو داخل سوريا أو حتى في الأردن وتركيا، لكن دون بروباغاندا ودون من يسمع أنينهم، ودون من يهتم بهذا الأنين إذا ما خرج.

تقرير منظمة اليونيسف أضاف في تقريره أن ثمانية أطفال على الأقل توفوا في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية، نتيجة البرد وغياب أي مساعدات طبية وإنسانية لنحو 45 ألف نازح يعيشون في المخيم، وأن سبعة أطفال آخرين فارقوا الحياة خلال نزوح عوائلهم من مناطق تنظيم الدولة بريف دير الزور إلى المخيمات، بعدما اضطروا للانتظار لوقت طويل في الثلج والصقيع قبل أن يُسمح لهم بالمرور عبر الحواجز إلى المخيمات. كل هذه الجرائم الإنسانية التي حصلت في القرن الحادي والعشرين احتلت ثوان في النشرات الإخبارية، لتتفرغ بعدها لخبر هروب فتاة سعودية من ذويها إلى كندا، لأنها أرادت الخروج من الإسلام.

مياه الأمطار أغرقت الكثير من المخيمات، والعواصف دمرت مئات الخيام الهزيلة أصلاً،المازوت الضروري للتدفئة نفد في الكثير من الخيام وبات يهدد قاطنيها بالموت صقيعاً، والنقص الكبير بالمواد الغذائية بسبب انقطاع الطرق جراء تراكم الثلوج ضاعف من المعاناة والمأساة ويزيد من احتمالية سقوط المزيد من الضحايا.

الدولة اللبنانية كعادتها منذ بدء الأزمة في سوريا، طمرت رأسها في الرمال، واستغلت المعاناة الإنسانية التي يتعرض لها النازحون السوريون في مخيماتهم العشوائية جراء العاصفة، لرفع الصوت وتذكير العالم بالأكلاف العالية التي يتكبدها لبنان جراء احتضان النازحين. ومن يسمع كلمة احتضان يظن أن الدولة تبذل جهداً لرعايتهم، في حين أنها لاتعرف مخيمات النزوح إلا عندما تقوم الأجهزة الأمنية بتنفيذ مداهمات مفاجئة، فتعتقل وتهين وتسجن عشرات النازحين، وتتسبب بمقتل بعضهم تحت التعذيب. بينما هي لا تعرف طريقاً إنسانياً لهذه المخيمات، وهي تتخلى عن أي دور قانوني وأخلاقي وإنساني في تقديم مساندة لوجستية لاتكلف خزينة الدولة شيئاً، بل على العكس. ينبري بعض المسؤولين في السلطة لتحميل النزوح المسؤولية عن كل المشاكل التي يرزح تحتها لبنان، والتي ترافقه منذ استقلاله عام 1945. هؤلاء المسؤولين وصلت بهم الوقاحة للمطالبة بالمشاركة في مشاريع إعمار سوريا، مكافأة لهم على تحملهم أعباء النزوح في لبنان، وهم في الحقيقة لا يتحملون سوى عبء عنصريتهم وإهمالهم للنازحين!!.

أوّاب إبراهيم