العدد 1450 /24-2-2021

هل يستحق حصول رئيس الجمهورية وأفراد حاشيته وبعض النواب على اللقاح المضاد لفيروس كورونا كل هذا الغضب والاستهجان. وهل انتهت مشاكل اللبنانيين وأزماتهم ولم يبقَ ما يشغلون به أنفسهم سوى رصد هوية المسؤولين الذين تلقوا اللقاح بشكل مخالف للخطة التي وضعتها وزارة الصحة؟ حتماً الأمر لا يستحق كل هذا الضجيج، لكن المشكلة بأن ما قامت به السلطة من أداء مخالف للقانون والأخلاق والإنسانية قدّم للبنانيين مرة جديدة صورة فجّة وبشعة عن حقيقة الطبقة السياسية التي تحكمهم ولا مبالاتهم وأنانيتهم.

هذه القضية لن تشغل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر من يوم أو يومين، لينشغلوا بعدها بأزمة أخرى وفضيحة أكبر ومخالفة أفظع لهذه السلطة. ففي لبنان الفضائح تنقضي "بفشة خلق" وشتيمة دون أن يتغيّر واقع الحال، لكن في أماكن أخرى لا تكون الأمور كذلك. في إسبانيا استقال رئيس أركان الجيش بعد استخدام سلطاته لمحاولة الحصول على لقاح فيروس كورونا قبل أن يحين دوره. في البيرو استقالت وزيرة الخارجية بسبب تلقّي مسؤولين حكوميين اللقاح قبل أن يُعطى لمن هم في اللوائح. هو الجرم نفسه الذي ارتكبه رؤساؤنا ونوابنا، لكن في إسبانيا والبيرو يضطر الفاعل للاستقالة ويخجل من نفسه ويخرج من دائرة الضوء، أما في لبنان فيواصل المسؤولون نشاطهم، ويواصلون مكابرتهم وتقديم أعذارهم الكاذبة لتبرير ما قاموا به. في الواقع هي ليست مشكلتهم، بل مشكلة اللبنانيين الذين يقبلون بأن تكون هذه السلطة بفسادها وأخطائها وسرقاتها تمثلهم وتحكمهم.

شيوع خبر تلقي الرئيس وحاشيته اللقاح متجاوزين الأصول، دفع قصر بعبدا لإصدار بيان تبريري ذكر أن رئيس الجمهورية وزوجته تلقيا (قبل أيام) اللقاح إضافة لعشرة أشخاص من أعضاء الفريق المحيط بالرئيس الذين سجلوا أسماءهم على المنصة الخاصة بالتلقيح. بيان مكتب الرئيس كما معظم البيانات السابقة عِوض أن "يكحلها عماها".

مشاكل عدة تضمّنها بيان قصر بعبدا وبيان مشابه صدر عن مجلس النواب، أولها أنهما لم يعلنا عن تلقي الرئيس وحاشيته والنواب للقاح إلا بعد تسريب الخبر في الإعلام. ولولا ذلك لكان الأمر بقي طي الكتمان. علماً أن تلقي اللقاح ليس عيباً، العيب والجريمة الأخلاقية هي تلقّي اللقاح ممن لا يستحق في الوقت الذي ينتظر مئات آلاف اللبنانيين دورهم على قوائم الانتظار وأوضاعهم الصحية وأعمارهم تمنحهم الأولوية تلقي اللقاح.

الأمر الآخر الذي ينتظر اللبنانيون توضيحاً حوله هو عن هوية الأشخاص الذين تلقوا اللقاح وأعمارهم وأوضاعهم الصحية، والأسباب التي دفعت وزارة الصحة لتقديمهم عن ملايين اللبنانيين الآخرين، سواء من النواب أو من حاشية الرئيس. ثم من قال بأن التسجيل كاف لصاحبه لتلقّي اللقاح، وإلا لكان جميع من سجّلوا على المنصة ذهبوا للمراكز المخصصة وأخذوا اللقاح. لكن الأمر لا يتعلق بالتسجيل، بل بالموافقة على الطلب وهو ما لم تفعله حاشية الرئيس والنواب، فكلهم ذكر أنه قدم طلباً لكن أحداً منهم لم يذكر أنه نال موافقة عليه.

دعونا ننسى كل ما سبق ولنعتبر أن الرئيس وحاشيته والنواب يستحقون تلقي اللقاح، هنا يُطرح السؤال: لماذا يتكبد الجهاز الطبي والصليب الأحمر عناء وأكلاف الانتقال إلى القصر الرئاسي ومجلس النواب لتلقيح المعنيين، ولماذا لم ينتقل الرئيس وحاشيته والنواب إلى أحد المراكز المخصصة لتقديم التلقيح؟ ففي أهم دول العالم وأعظمها شاهدنا رؤساء وملوك وأمراء من قادة هذه الدول وهم يتلقون اللقاح في المراكز الصحية، إلا في لبنان يضطر الجهاز الطبي المتعب والمنهك والمستنزف للانتقال إلى مقرات المسؤولين. ما هذه العنجهية واللامبالاة واللامسؤولية. هل تجد السلطة أن الجهاز الطبي لديه فائض من الراحة والعدد والعدة حتى يطلبوا منه القدوم إليهم، ألا يعتقدون أن صورتهم في المركز الصحي تقدم صورة إيجابية يفتقدونها، وتشجع المترددين بأخذ اللقاح؟!.

قضية جديدة من الفساد واللامسؤولية تقوم بها السلطة سيطويها النسيان كما طوى ما هو أهم منها، وهنا تكمن مسؤولية اللبنانيين. مسؤوليتهم بأن لا ينسوا فساد السلطة التي تحكمهم، وأنانية النواب الذين يمثلونهم، وأن يتذكّروا بأن رئيسهم وحاشيته وأعضاء بمجلس النواب انتخبوهم خالفوا القانون وتصرفوا بطريقة غير أخلاقية وأخذوا حق كبارهم والمرضى من بينهم. ليتذكروا ذلك جيدا قبل أن يضعوا اسم هذا الزعيم أو ذاك في صندوق الاقتراع في أي استحقاق انتخابي مقبل.

أوّاب إبراهيم