أواب إبراهيم

ثلاث سنوات مرت على الجريمة الأكثر بشاعة ودموية التي شهدها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية. أكثر من خمسين شهيداً وقرابة 500 جريح سقطوا في بيت الله أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مسجدي التقوى والسلام بطرابلس. شكلت الذكرى الثالثة للجريمة منبهاً للبنانيين لمتابعة ما آلت إليه مستجدات هذه القضية، رغم أن المخططين والمنفذين والجهات الداعمة والراعية كُشفوا بعد وقت قصير من وقوع الجريمة. رغم ذلك فإن الإجراءات القضائية تسابق السلحفاة، آخر إنجازاتها إيداع المحقق العدلي ملف الدعوى لدى النيابة العامة التمييزية لإبداء مطالعتها. وإذا استمرت الإجراءات القضائية على هذه الوتيرة فلا أحد يعلم إن كان أبناؤنا أو أحفادنا سيشهدون صدور الأحكام النهائية.
من الواضح أن الدولة اللبنانية رفعت يدها عن متابعة القضية وأخلت مسؤوليتها، وهي تعتبر أنها أدّت قسطها إلى العلى، بدليل ما قاله وزير الداخلية في لقاء أقيم قبل أيام في دار الفتوى بطرابلس، حيث اعتبر أن «الدولة قامت بتحقيقاتها كاملة وسمّت المسؤولين عن الجريمة فرداً فرداً، في لبنان وسوريا»، وأشار إلى أن «غالبية المجرمين والمخططين هربوا إلى سوريا». وكأن دور الدولة يقتصر على تسمية المجرمين ومعرفة أماكن وجودهم، وليس ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة وتحقيق العدالة. كما أننا لم نسمع أن الدولة اللبنانية قدّمت طلباً للنظام السوري لتسليم المتهمين الهاربين إليه، والأمر نفسه حصل بالنسبة إلى المتهمين بالتفجيرات التي تم ضبطها مع المجرم ميشال سماحة، علماً أن السفير السوري في بيروت لايترك مناسبة إلا ويستغلها لارتشاف القهوة مع المسؤولين.
في كل يوم تبشرنا الأجهزة الأمنية بنجاحها في القبض على متهمين مرتبطين بتفجيرات شهدها لبنان في السنوات الماضية، وهو أمر يدعو للإعجاب والتقدير نظراً لكثرة التفجيرات وغموض ملابساتها وتشعّب خيوطها، اللهم إلا تفجير مسجدي التقوى والسلام، فقد عجزت الأجهزة عن تقديم أي إنجاز يُذكر، رغم خطورة التفجير ودمويّته وسرعة انكشاف خيوطه الأولى، وهو ما يدعو للاستغراب والشك.  
منذ اللحظة الأولى لوقوع التفجير كانت المؤشرات تقود إلى أن الفاعلين أتوا من منطقة جبل محسن، لكن أبناء طرابلس لم يبادروا لأي ردة فعل تجاه المنطقة. وبخلاف ما حصل بعد التفجيرات التي شهدتها مناطق أخرى، فإن أبناء المدينة بعد الفجيعة التي ألمّت بهم لم يقطعوا طرقاً، ولم ينصبوا حواجز، ولم يحملوا السلاح، ولم يلجأوا للأمن الذاتي، وما زالوا على بساطتهم يسلّمون أمرهم للدولة. رغم كل ذلك، وعوض أن تبادر الدولة للملمة جراح المكلومين من أبناء المدينة، ومحاولة تعويض تقصيرها وعجزها عن ملاحقة المجرمين، فإنها تمارس عنتريتها على أبناء المدينة، فتقوم بملاحقة واعتقال شبابها بناء على شبهات مصدرها مدمنو مخدرات وشبّيحة، وتصادر من فقراء المدينة بسطات بيع الخضار التي يسترزقون منها، وتحجز الدراجات النارية التي تشكل وسيلة نقل الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل كلفة سيارة، وتنشر حواجزها في شوارع وأزقة المدينة، وتوزّع عسسها في كل زاوية وحارة لتنقض على كل من يخالف القانون، في حين أن بقية المناطق تنعم بغض نظر الدولة وتماهيها مع الوضع الذي تعيشه. حتى حين تجاوزت الدولة عن القانون في طرابلس، فكان من خلال الترخيص لميليشيا مسلحة غامضة الأهداف تزعم أنها تساند الجيش اللبناني في معركته في مواجهة الإرهاب!!.
لكن كلمة حق يجب أن تقال: من الظلم تحميل الدولة وأجهزتها الأمنية وزر العنتريات التي تمارسها بحق المدينة، فليس سراً الإقرار بأن الدولة هي عبارة عن مزرعة زعامات طائفية، كل زعيم معني بالحرص على أبناء طائفته، ولكل منطقة مرجعيتها السياسية التي تقوم بتحصيل حقوقها والدفاع عن أبنائها، فإذا كانت زعامات المدينة «مش سائلة» عن رعيتها، فمن الطبيعي أن يتم الاستفراد بالطرابلسيين وتطبيق القانون عليهم دون بقية اللبنانيين.