أواب إبراهيم

بالتزامن مع الأزمات المستعصية والكثيرة التي تعصف بلبنان، والتي يُنذر بعضها بأن يتحوّل إلى أزمة دستورية مفتوحة كتعثر تشكيل الحكومة، انتقل البعض دون سابق إنذار إلى كوكب آخر، وبات يفكر بذهنيّة متحضرة متطورة تنتمي إلى أرقى الدول الغربية المتحضرة، فأبعد نفسه عن جميع الأزمات العاصفة بالبلد، وتفرّغ لإصدار قانون يشرّع زراعة الحشيشة واستخدامها.
هذا البعض لم يكتفِ بالتفكير، بل بدأ باتخاذ خطوات تنفيذية جدّية بهذا الاتجاه. فرئيس مجلس النواب نبيه بري طلب من لجنة اختصاصيّين الإعداد لصيغة قرار لتشريع زراعة الحشيشة، وهو أبلغ السفيرة الأمريكية أن مجلس النواب بصدد تحضير ودراسة مشروع قرار يشرّع زراعة وإنتاج الحشيشة. وقد تزامن ذلك مع حملة إعلامية وشعبية واسعة مؤيدة لتشريع الحشيشة، وتشكل رأي عام مساند لهذا المسعى عماده جمهور البقاع الشمالي المعنيون الرئيسيون بزراعة الحشيشة، نسبة إلى أن الشريحة الشعبية التي ستستفيد من تشريع الحشيشة هي الخزان البشري، والرافد الرئيسي لحزب الله وحركة أمل في المعارك الكثيرة التي يخوضانها. المستغرب أن هذا الفريق لا يلقي بالاً بالحرمة الشرعية لزراعة الحشيشة، رغم أنه يحرص في كل مناسبة على الظهور بالسَّمت الإسلامي، والادعاء أن أداءه وحركته يضبطها الشرع الحنيف!!
هذا الفريق لم يتجاوز فقط عن الحرمة الشرعية للحشيشة، بل إنه يتغافل عن الأضرار الصحيّة والاجتماعية التي يمكن أن يساهم بها تشريع الحشيشة، والانعكاسات السلبية والخطيرة التي يمكن أن تنعكس على المجتمع اللبناني، ولا سيما الشباب. فمن المعروف أن المخدرات والحشيشة تغزو جامعات لبنان ومدارسه، وباتت آفة الإدمان متفشية بين الشباب بشكل كبير. كل ذلك والحشيشة محظورة قانونياً ومُلاحق مروّجوها والمتاجرون بها أمنياً، فكيف سيكون الحال حين تصبح مسموحة ومشرّعة، ومن يملك القدرة على تحمل مسؤولية التبعات التي ستنتج عن تشريعها؟!
لعلّ الانعكاس الإيجابي الوحيد الذي يروّج له الفريق المؤيد لتشريع الحشيشة هو العائد الاقتصادي. فحسب هذا الفريق، سيدرّ تشريع الحشيشة واستخدامها دخلاً مالياً مقداره 2 مليار دولار سنوياً، وسيُنتج دورة اقتصادية في المناطق التي سيُزرع بها، ونحن هنا نتحدث عن منطقتي البقاع والهرمل. لكن ما أهمله المروّجون لتشريع الحشيشة، أنه كما في كل القطاعات التي تدرّ أرباحاً للدولة، فإن الفساد والسرقة والنهب سيأخذ نصيبه من هذه العوائد، فضلاً عن أن الأرض التي ستُزرع فيها الحشيشة بعيدة عن سلطة الدولة وعينها، ومفتوحة على الأراضي السورية التي باتت أشبه بـ«حارة كل مين إيدو ألو».
لم يكن أبناء بعلبك والهرمل ينتظرون تشريعاً لزراعة الحشيشة. فهم لم يتوقفوا عن زراعتها يوماً، وتحت أعين الدولة. الذي سيتغير هو أن من يقومون بزراعتها سيتحوّلون من مطلوبين للقضاء ومُلاحقين، إلى رجال أعمال ووجوه اجتماعية بارزة يتحركون ببركة الدولة وحمايتها، ويقدمون أنفسهم أمام وسائل الإعلام على أنهم أحد دعائم الاقتصاد اللبناني. 
خلال عملية تشكيل الحكومات، تتهافت القوى السياسية على الوزارات التي تدرّ أموالاً وخدمات. تتربع على عرش هذه الوزارات حقائب الأشغال العامة والصحة والاتصالات، ولا يعبأ أحد بوزارة الزراعة. لكن من المرجّح في حال تشريع الحشيشة والملايين التي يُفترض أن تدرّها أن تصبح وزارة الزراعة هي الوزارة الأساسية وربما السيادية التي يتهافت عليها الجميع.
قبل سنوات وصف الرئيس نبيه بري شتلة التبغ بأنها عين المقاومة في الجنوب، فبفضلها صمد الجنوبي في أرضه وقاوم «إسرائيل». فهل تكون شتلة الحشيشة بعد تشريعها عين المقاومة في البقاع، وسبباً لصمود البقاعيين في مواجهة الإرهابيين؟!.