العدد 1364 / 29-5-2019
أواب إبراهيم

بعد عشرين جلسة توصل مجلس الوزراء لصيغة نهائية لموازنة عام 2019. لم يكن ينقص سوى خروج وزير الإعلام للصحفيين وللإعلان عن ذلك، لكن عرفاً جديداً طرأ على عمل مجلس الوزراء، هو عدم إعلان الموازنة إلا في جلسة تُعقد في قصر بعبدا يرأسها رئيس الجمهورية.

كان من المنتظر أن ينتهي بحث الموازنة قبل الوقت الذي انتهت فيه بأكثر من أسبوعين، لكن وزير الخارجية جبران باسيل الذي كان مشاركاً في جميع الجلسات، وقبيل وضع اللمسات الأخيرة على الموازنة ارتأى إخراج ورقة من جيبه تتضمن رؤية جديدة للموازنة، أطاحت بجهد وزير المالية وفرض على مجلس الوزراء إعادة النقاش من جديد، وتحوّل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى ضابط للخلاف بين الوزيرين، وزير المالية المستاء من تدخل وزير آخر في عمله وانتظار اللحظات الأخيرة لتقديم ما في جعبته، ووزير آخر بات يعتبر نفسه وزير كل شيء.

خلال انعقاد جلسات الموازنة، شهدت الساحات المحيطة بالسراي الحكومي اعتصامات وتظاهرات وتجمّعات لمعترضين على التقشف الذي سيمسّ امتيازاتهم الوظيفية. لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، فالعسكريون المتقاعدون اقتحموا السراي الحكومي (مقر رئاسة الوزراء) ودخلوا باحاته الداخلية ليستقبلهم في الداخل وزير الدفاع ويطبطب عليهم ويهدئ من غضبتهم. هذا الاعتداء الخطير على إحدى أهم مؤسسات الدولة اقتصر رد الفعل عليه ببيان مقتضب صدر عن كتلة تيار المستقبل.

مؤسف جداً الحال الذي وصلت إليه الرئاسة الثالثة. فالصلاحيات الممنوحة دستورياً لهذا الموقع يتم التفريط بها واحدة تلو الأخرى، دون من يرفع الصوت، باستثناء تغريدات يطلقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بين الحين والآخر، يتساءل فيها عما بقي من اتفاق الطائف ، ويستغرب أداء رئيس الوزراء.

حسب الدستور، يُعقد مجلس الوزراء برئاسة رئيسه في مقره بالسراي الحكومي، وينعقد برئاسة رئيس الجمهورية إذا حضر. فحضور رئيس الجمهورية مجلس الوزراء استثناء على القاعدة وليس القاعدة، فهو حسب الدستور رئيس كل السلطات، وليس رئيساً للسلطة التنفيذية. فهل إذا حضر الرئيس جلسة في مجلس النواب يترأس الجلسة أم تبقى الرئاسة لرئيس مجلس النواب؟ فكيف يرضى الحريري بالإهانة الموجهة لمقام رئاسة الوزراء بتأجيل الإعلان عن الموازنة حتى تنعقد الجلسة في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية؟!. ماذا كان يفعل الحريري خلال جلسات المناقشة إذاً، لماذا حوّل نفسه إلى باشكاتب لدى رئيس الجمهورية رغم أن الدستور يمنحه صلاحيات واسعة وأساسية، وقد دفع اللبنانيون ثمناً لهذه الصلاحيات 15 سنة من الحرب الأهلية، بعدما كانت طائفة واحدة تستأثر بكل الصلاحيات. ثم ماهذه الجرأة على مقر السرايا الحكومية، وكيف يتم السماح بالاعتداء عليها دون أن نسمع صوتاً يندّد ويستنكر، وأين دور الأجهزة الأمنية في حمايته؟!.

في 14 آذار 2005 في ساحة الشهداء ، وخلال إلقاء الرئيس الأسبق أمين الجميل كلمته في عشرات آلاف المتظاهرين، اقترب منه فارس سعيد -أحد أركان 14 آذار آنذاك- وهمس في أذنه كلمات لم تكن بعيدة عن الميكروفون. دعا سعيد الرئيس الجميل أن يطلب من المتظاهرين الزحف من ساحة الشهداء باتجاه قصر بعبدا لطرد رئيس الجمهورية إميل لحود، بوصفه أحد رموز الوصاية السورية المتهمة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الجميّل لم يُعر سعيد اهتماماً ورفض الاستجابة لطلبه ، لأنه يدرك أن مقام رئاسة الجمهورية خط أحمر ليس مسموحاً الاقتراب منه، سواء كان الموجود في قصر بعبدا صديقاً أو عدواً.

في المقابل، وبعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة التي وصفها تيار المستقبل حينها بحكومة حزب الله، تم تنظيم تظاهرات أمام السرايا الحكومية، وبعد عدد من الكلمات والخطابات التي تنزع الشرعية عن ميقاتي ، اعتلى المنصة أحد إعلاميي تيار المستقبل وبدأ يهتف "يا شباب ويا صبايا يلا يلا عالسرايا"، ليبدأ بعدها عشرات المتظاهرين المؤيدين لتيار المستقبل برشق الحجارة على مقر رئاسة الوزراء ومحاولة اقتحامه، هذا المقر الذي بُني في عهد الرئيس رفيق الحريري وكتب على بابه عبارة "لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك".

إذا كان سعد الحريري يشعر أنه ضعيف ولا يقوى على الوقوف في وجه التمدد والتسلط الذي تمارسه السلطات الأخرى عليه، فليتنحّ ، وليُفسح المجال لآخرين، يحفظون قيمة مقام رئاسة الوزراء، ويدركون الثمن الذي تمّ دفعه لتحصيل صلاحياته.

أوّاب إبراهيم