العدد 1353 / 13-3-2019
أواب إبراهيم

من حق الشعب الجزائري أن يفرح ويحتفل بالانجاز الذي حققه، بدفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو من ينوب عنه الى العزوف عن الترشح لولاية رئاسية خامسة. فسواء كان بوتفليقة هو الحاكم الفعلي لمنظومة الدولة الفعليةأو كان مجرد واجهة لها، فإن إزاحته عن المشهد تشكل مقدمة-وإن كانت شكلية- في مسار إزاحة المنظومة الفعلية الحاكمة.

أهمية ما تم إنجازه والمتمثل في عزوف بوتفليقة عن الترشح، لا تكمن فقط في تحقيق العنوان الأبرز للحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر والذي تمثل في شعار "لاللعهدة الخامسة"، بل أيضاً في انهيار جدار سميك من الخوف والرعب تجاه السلطة. فقد شهدت مختلف المناطق الجزائرية أشكالاً للاحتجاج والتعبير عن الاستياء غير مسبوقة، فرفع الجزائريون لافتات وهتفوا بشعارات لم يكن أحد يجرؤ عليها بانتقاد السلطة والسخرية من رئيسها واتهام عائلته وحاشيته بالسرقة والفساد ونهب خيرات البلاد. كل ذلك لم يكن معتاداً في الجزائر، لكن حالة الغضب والحنق والفقر واليأس التي شعر بها المواطن الجزائري دفعته لكسر ما كان محرّماﹰ سابقاً ووضعته في موقف من لايخشى من خسارة شيء. لذلك، فإن الجرأة التي تحلى بها الجزائريون في الأسابيع الماضية لن يستطيع أحد سلبها، وعقارب الساعة لن تعود مرة أخرى إلى الوراء. وأياً كانت السلطة التي ستأتي في المرحلة المقبلة، فإنها ستضع في الحسبان أن الشعب سيكون بالمرصاد، وأن زمن الخنوع الذي كان سائداً ذهب إلى غير رجعة.

كل ما سبق لا يعني أن الجزائر وصل إلى بر الأمان، وأن الحراك الشعبي الذي شهدته مختلف المدن ستتم الاستجابة لمطالبه، وأن النظام الذي أمسك بالسلطة طوال عشرين عاماً يتحكم بالشعب وينهب خيراته، سيتخلى عنها ببساطة، وسيتراجع إلى الصفوف الخلفية تاركاً المجال أمام من يريد الوصول إلى السلطة. هذا لن يحصل حتماً، فالمشوار أمام الجزائريين مازال طويلاً، والمسار الأخطر والأصعب والأطول هو القادم وليس الذي مضى. فالسلطة القائمة ستسعى بكل ما أوتيت من دهاء وخبث ودعم خارجي لسلب أحلام الجزائريين.

يتفاخر الجزائريون بأن حراكهم الشعبي طوال الأسابيع الماضية كان عفوياً وتلقائياً، نابعاﹰ من استياء المواطن وفقره وغضبه، ورغبته في أن يعيش حياة كريمة، يتفاخرون كذلك بأن الآلاف الذين تجمعوا في الشوارع والساحات لم يكن يجمعهم سوى رفضهم للعهدة الخامسة والمطالبة بتداول حقيقي للسلطة والقضاء على الفساد. هذا الحراك العفوي حقق هدفه الاول ونجح في دفع النظام خطوة إلى الوراء بإعلان بوتفليقة عزوفه عن الترشح، لكن كما قلنا فإن المسار مازال طويلاً ومعقداً ومحفوفاً بالمخاطر، وربما لن يكون بمقدور الحراك الشعبي العفوي مجاراة ألاعيب السلطة ومؤامراتها وأساليبها الملتوية لخداعهم والالتفاف على مطالبهم ومحاولة تشتيتهم. وهذا لن يكون مهمة صعبة على نظام يمسك بتلابيب السلطة منذ عشرين عاماً، نجح خلالها في بناء شبكة من الفاسدين سياسيين ورجال أعمال وضباط وإعلاميين.. وهؤلاء يسيطرون على مفاصل الدولة، ويحترفون وسائل تشتيت المحتجين وبثّ الفرقة فيما بينهم، خاصة أنه لارؤية وقيادة تجمعهم. لذلك، وبالتزامن مع مساعي السلطة لتجميع صفوفها وجمع أوراقها ودراسة خطوتها القادمة للالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، فان على أبناء هذا الحراك أن يتسارعوا للتوحد ولتبنّي رؤية مشتركة تتضمن المطالب التي يتفق عليها الجميع، بعيداً عن العناوين الفئوية والخاصة، والأهم أن يتم تشكيل نواة متنوعة من أبناء الحراك للتحدث باسمه وقيادته وإدارته. هذه النواة نتمنى أن يبتعد عنها الإسلاميون مع تأييدهم لها ودعمها ومساندتها، لأن وجودهم داخل هذه النواة، سيمنح النظام فرصة تشويه الحراك وصبغه بالبعبع الإسلامي المتطرف، وبالتالي تشويه صورة الحراك الشعبي، وسيشجع بعض الأنظمة العربية التي تعادي كل ما هو إسلامي لدعم السلطة الفاسدة والتآمر على الشعب الجزائري، عدا عن أن ذلك سيدفع بعض المجتمع الدولي لإهمال تعاطفه مع الشعب الجزائري.

انسحاب بوتفليقة من المشهد ، قد يبدو استجابة لمطالب الحراك، لكنه كذلك انكفاء للنظام لدراسة الموقف في كيفية التعامل مع المرحلة القادمة، وهو ماعلى الجزائريين التنبه له.

أوّاب إبراهيم