أواب إبراهيم

تعرّضت مواقع عسكرية تابعة للحشد الشعبي العراقي الموالي لإيران في سوريا لغارات مجهولة المصدر، أدت لمقتل وجرح عشرات المسلحين. النظام السوري ندّد بالغارات التي استهدفت أراضيه، روسيا استنكرت، إيران توعّدت، الولايات المتحدة نفت مسؤوليتها عنه، واتجهت الأنظار نحو «إسرائيل» التي رفضت التعليق، أما تركيا فلم تجد نفسها معنيّة.
لنراجع السطور أعلاه، ورد في الخبر ذكر العراق، إيران، النظام السوري، روسيا، الولايات المتحدة، «إسرائيل» وتركيا. هل سقط سهواً ذكر أي فصيل من فصائل المعارضة السورية؟ لم يحصل. هل كان هناك داع للإشارة إلى موقف أو تصريح لأحد قادة فصائل المعارضة؟! 
هذه الخلاصة تكشف أن النظام السوري نجح بتفوّق في إجهاض الثورة الشعبية وتشويه الحراك السلمي الذي انطلق في بدايات الثورة. نجح بذلك من خلال استقدام شذاذ الآفاق والمجرمين وقطاع الطرق من أصقاع الأرض لسلب الثورة من أهلها، وحرف وجهتها، لتتحوّل من ثورة شعبية سلميّة تطالب بالحرية والكرامة أيدها العالم أجمع، وسارت من أجلها تظاهرات مؤلفة، إلى صراع مسلح بين مجرمين. النظام السوري وحلفاؤه من جهة، وإرهابيون حملوا راية الإسلام زوراً من جهة أخرى، وكانت هذه النتيجة ذريعة ذهبية لروسيا والولايات المتحدة و«إسرائيل» وبالطبع لإيران.. للتجاذب على الأرض السورية.
غابت تظاهرات السوريين واعتصاماتهم وهتافاتهم، وحلّت مكانها مواجهات دموية قتلت وجرحت ودمّرت وهجّرت الشعب السوري. من كان يصرخ في التظاهرات «إرحل إرحل يا بشار»، رحل إلى ألمانيا وهو يدير مطعماً يقدم الشاورما والأكلات السورية. ومن رفع لافتة «سوريا بدّها حرية» انتقل إلى تركيا، ويعمل حالياً في معمل خياطة في مدينة غازي عنتاب، فتشتّت السوريون الذين كانوا يقودون التظاهرات في مخيمات النزوح في تركيا والأردن ولبنان، أو نجحوا بالوصول إلى إحدى الدول الأوروبية يتوسلون اللجوء، أو أن البحر ابتلعهم خلال محاولتهم الهرب من جحيم النظام السوري.
تسليح الثورة وإخراجها من سلميّتها هدف نجح النظام بتحقيقه، فغابت عن الواجهة راية الشعب السوري المخلص الذي لم يكن ينشد أكثر من الحرية، وتمّ تحويل هذه الراية إلى رايات متعددة حملتها فصائل معارضة مسلّحة. مهمة تشتيت الثورة وسرقتها انتقلت إلى الضفة الأخرى، إلى ضفة من كانوا يدّعون تأييد الثورة ومساندتها، فعملت كل الدول الراغبة بالتعبير عن نفوذها إلى استمالة فصيل أو عدة فصائل معارضة، ودعمتها وساندتها، وأمدتها بالمال والسلاح وأحياناً بالمقاتلين، وصارت هذه الفصائل أدوات تستخدمها الدول لتنفيذ مصالحها، وتقايض من خلالها حول نفوذها وسطوتها، وتحوّل المجاهدون السوريون المخلصون الذين لا يريدون أكثر من الدفاع عن أرضهم وأعراضهم، تحولوا إلى وقود لصراعات هذه الدول، وكم شهدنا من صراعات مسلحة بين الفصائل المعارضة، بينما كان النظام وحلفاؤه على مقاعد المتفرجين. أما إذا استعصى فصيل عن تنفيذ ما يُطلب منه، فالحل بسيط: إقفال «حنفيّة» المال والسلاح، وتنسيق تحت الطاولة مع النظام السوري لتتحوّل هذه الفصائل خلال فترة وجيزة إلى لقمة سهلة يقضي عليها النظام.
لم يبقَ من الثورة السورية شيء، على الجميع أن يقرّوا بهذه الحقيقة المرّة بعيداً عن الشعارات الرنّانة والمواقف التي تصدح بها حناجر العلماء منذ سبع سنوات. ففصائل المعارضة المخلصة باتت تفصيلاً صغيراً على طاولة النفوذ الدولي، ولم يعد لها أي دور في مواجهة النظام. أما الأراضي التي تسيطر عليها فصائل المعارضة فتتآكل شيئاً فشيئاً، ويتمّ تجميعهم في مناطق محددة ربما كي يتم القضاء عليهم والتخلص منهم بضربة واحدة دون عناء.
الثورة السورية انتهت وتحولت أرضها إلى رقعة شطرنج يتنافس عليها الكبار، حتى النظام السوري بات جندياً صغيراً على هذه الرقعة. واقع على الجميع التسليم به، وعلى من يواصلون المتاجرة بالثورة ويمتهنون بثّ أفكار اليأس والأسى والخيبة أن يقلعوا عن ذلك، وأن يبحثوا عن قضية أخرى يتاجرون بها، ويبرزوا من خلالها عضلاتهم الخطابية.