العدد 1415 / 3-6-2020

أوردت صحيفة "نداء الوطن" قبل أيام خبراً مفاده أن العمل جار لإجراء تعديل وزاري للحكومة , يُبقي على رئاسة حسان دياب للحكومة مقابل استبدال بعض الوزراء بضباط من الجيش سعياً لاستمالة الشارع والانتفاضة الشعبية". لم يأخذ الخبر حيّزاً كبيراً من الاهتمام، لكن ما يعنينا هو دلالته وما يؤشر إليه. فرغم التجارب الكثيرة التي مرّت بلبنان واللبنانيين، مازال البعض يضفي هالة من القدسية على ضباط الجيش رغم أن التجارب التي مرت ببعضهم لم تكن مبشرة.

لايحتاج الأمر لكثير شحذ للذاكرة، ونحن هنا لن نتطرق لعشرات من كبار الضباط الذين امتهنوا بعد تقاعدهم التطبيل لهذا الزعيم أو ذاك الحزب والتنظير لهذا الفريق السياسي أو ذاك عبر وسائل الإعلام بعدما تحوّلوا إلى محللين وخبراء، وانكشفت ولاءاتهم الحزبية التي كان يفترض أن لاتكون في ظل ولائهم للمؤسسة العسكرية. سنتحدث فقط عن نماذج وصلت لأعلى الرتب واعتلت رأس هذه المؤسسة وقادتها لسنوات ثم بعد ذلك تعرّضت للتخوين والرفض والشتم. وهنا لا أقدم وجهة نظر محددة، فمن محاسن الصدف أن كل نموذج تعرض للتخوين والشتم والتقريع من فريق مختلف.

النموذج الأول هو رئيس الجمهورية السابق إميل لحود الذي وصل إلى قصر بعبدا في ظل زخم إعلامي وتأييد شعبي كبيرين، وهو الآتي من المؤسسة العسكرية التي مازالت حتى يومنا هذا تكاد تكون المؤسسة الأكثر تأييداً بين اللبنانيين. لم يمر وقت طويل قبل أن يتبيّن أن الولاية الرئاسية للحود كانت الأسوأ بعد اتفاق الطائف، والتي توّجت باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. فخلال عهده بات النظام اللبناني بمؤسساته المختلفة أدوات لدى ضباط المخابرات السورية، ولم يكن هؤلاء الضباط وحلفاؤهم من القوى والأحزاب الحليفة للنظام السوري تحتاج آنذاك لتوجيه لحود أو الطلب منه، فهو كان يقدم لهم قبل أن يطلبوا. ولاية لحود الرئاسية انتهت ومعظم الشعب اللبناني يرفضه ويشتمه ويتهمه بالعمالة للنظام السوري.

النموذج الآخر الذي يقف على الضفة المناقضة لإميل لحود هو رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وهو أيضاً آت من رأس المؤسسة العسكرية، جاء كتسوية لانقسام سياسي وأمني تمّ في اتفاق الدوحة، وكان واضحاً حينها أن حزب الله وحلفاءه هم الذين اختاروه رئيساً خاصة أن اختياره جاء في أعقاب أحداث 7 أيار 2008 التي هيمن فيها حزب الله بسلاحه على بيروت وأطاح بخصومه. لم يخرج سليمان خلال ولايته الرئاسية عن طوع من اختاره، لكنه أراد الحفاظ على حد أدنى من هيبة مهدورة للدولة، فلم ينبطح كما انبطح سابقه، وارتكب جريمته العظمى باقتراحه بحث سلاح حزب الله، ووصفه ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة" بثلاثية خشبية، فكان هذا الموقف إشارة البداية لشتمه والإساءة إليه. علماً أن الفريق الذي خوّنه وشتمه هو الفريق نفسه الذي كان مؤيداً لإميل لحود.

هناك نموذج آخر جاء إلى السلطة وكان سابقاً على رأس المؤسسة العسكرية ولكن ليس متاحاً الحديث عما ارتكبه بسبب موقعه في السلطة، رغم أن جميع حلفائه اليوم كانوا أعداءه في السابق وكانوا يتهمونه بالعمالة والإجرام وكانوا يسعون للانقضاض عليه.

ما سبق لايعني أن ضباط المؤسسة العسكرية كلهم على هذه الشاكلة، لكنه يعني أن ضباط هذه المؤسسة حالهم كحال بقية اللبنانيين، فيهم الصالح وفيهم الطالح، فيهم من اعتاد التبعية والولاء لهذا الحزب وذاك الزعيم، وفيهم من تمسك بمناقبيته العسكرية والتزم بولائه لمؤسسته ووطنه. وإذا كانت قوانين وضوابط المؤسسة العسكرية تفرض على ضباط هذه المؤسسة أداء مشرفا خلال وجودهم في صفوفها، فإن ذلك لايعني بالضرورة أن يحافظ هذا الضابط على هذا الأداء حين يخرج من صفوف المؤسسة ويتقلد مناصب في السلطة.

على اللبنانيين أن لايخلطوا بين تأييدهم للمؤسسة العسكرية كمؤسسة وطنية جامعة ضابطة، وتأييد ضباط ليس مستبعداً أن يكونوا وجوهاً جديدة للسلطة الفاسدة.

أوّاب إبراهيم