العدد 1373 / 7-8-2019
أواب إبراهيم

دون مقدمات ومن خارج أي سياق،وجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي"نداء عاجلاً"إلى مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، سائلاً كيف يقبل بفبركة ملفات لأشخاص من دين واحد ومذهب واحد. وأضاف: نحن مع القانون، ولكن هل مسموح تعذيب الناس في أقبية الأمن الداخلي وشعبة المعلومات خلال التحقيق معهم؟.

حتى كتابة هذه الكلمات، لم تُعرف بعدالخلفيات التي دفعت البطريرك الماروني لتوجيه ندائه لمدير عام الأمن الداخلي، ولا هوية الأشخاص الذين قصدهم البطريرك في ندائه، الذين قال إنه تم تعذيبهم وفبركة ملفات لهم. لكن المؤكد أن من رفع غبطته الصوت مدافعاً عنهم هم من أبناء رعيّته , فغبطته يدرك أن التعذيب في سجون الأجهزة الأمنية ليس جديداً، وهو لايقتصر على قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات، بل يشمل جميع الأجهزة الأمنية دون استثناء، ولم يتوقف يوماً لا في ظل الوصاية السورية ولا بعدها. ويدرك كذلك أن قصص التعذيب وانتزاع الاعترافات من أجساد الموقوفين في أقبية الأجهزة الأمنية معروفة ومتواترة وموثّقة بتقارير حقوقية دولية، وأدلة كثيرة ، أقواها إثباتاً وفاة الموقوفين في زنازين الاعتقال وآثار التعذيب واضحة على أجسادهم. لكن غبطته اعتاد -كما اعتاد كل اللبنانيين- أن الذين تتم الإساءة إليهم وتعذيبهم في أقبية التعذيب، والتسبب بعاهات دائمة لهم، وفبركة ملفات لإدانتهم، ينتمون لدين معين ومذهب معين، سواء كانوا لبنانيين أو سوريين أو فلسطينيين. ويدرك الجميع أنه رغما للخلافات المتحكمة بين أركان السلطة السياسية، إلا أن ثمة اتفاقاً ضمنياً بين أركانها يقضي بغضّ النظر عما ترتكبه الأجهزة الأمنية في التعامل مع هؤلاء الموقوفين ولو أدى ذلك لوفاتهم، وأيضاً في تشدد السلطة القضائية في التعامل معهم لمجرد الشبهة.

الملفت في كلام البطريرك أن استياءه مصدره أن التعذيب وفبركة الملفات للموقوفين يستهدف أشخاصاً من رعيّته، ولو أن التعذيب والفبركة استهدفت أشخاصاً من أديان ومذاهب متنوعة ربما لما كانت مصيبة كبيرة، أما لو أنها استمرت في استهداف أشخاص من دين ومذهب بعينه دون الاقتراب من رعيته لما كان في الأمر مشكلة مطلقاً. فمن المؤكد أن غبطته سبق له أن سمع عن تعذيب موقوفين في سجون التحقيق ووفاة بعضهم , لا بد أن يكون قد سمع باسم نادر البيومي الذي مات جراء التعذيب الذي تعرض له في أعقاب أحداث عبرا، أو سمع بخبر وفاة ثلاثة نازحين سوريين في مراكز التوقيف قبل عامين، أو بوفاة حسان الضيقة قبل أشهر جراء التعذيب. جميع هذه الأخبار لم تلفت غبطته، ولم تدفعه لتوجيه نداءات عاجلة، لكن من الواضح أنها المرة الأولى -ربما- التي يطال فيها التعذيب أحداً من رعيته، ومن المؤكد أن ذلك لن يتكرر حرصاً على عدم إغضاب غبطته.

فعلى الأرجح سيثمر نداء البطريرك الماروني سريعاً، ومن المنتظر أن يتم إخلاء سبيل الموقوفين الذين قصدهم البطريرك، والذين يعرفهم مدير عام قوى الأمن الداخلي جيداً، حتى لو كانوا "عاملين السبعة وذمّتها". فاللواء عماد عثمان ليس على استعداد لمواجهة سهام بكركي، في الوقت الذي يتعرض فيه لسهام كثيرة تستهدفه من جهات أخرى. ما سيحصل لاحقاً، هو أن ضباط ورتباء الأجهزة الأمنية المختلفة سينتبهون جيداً في المستقبل، وسيتجنّبون الاقتراب أو الإساءة لأي شخص ينتمي لرعية البطريرك الماروني مهما كان الجرم الذي ارتكبه. أما الآخرون الذين سيقعون تحت أيديهم من متهمين بقضايا الانتماء لتنظيمات إرهابية أو نازحين سوريين الذين ينتمون لدين ومذهب يختلف عن دين غبطته، فلا ضير في الاستمرار بتعذيبهم وامتهان كراماتهم وفبركة ملفات لهم. فلا البطريرك الماروني سيسأل عن مصيرهم، ولا سماحة المفتي يعتبر نفسه معنياً بمصيرهم، وان كانوا ينتمون لدين ومذهب سماحته.

أوّاب إبراهيم