العدد 1339 / 28-11-2018
أواب إبراهيم

تراوح أزمة تشكيل الحكومة مكانها، في ظلّ تعنّت الأطراف المعنية وتمسكها بمواقفها المعلنة، وأيضاً في ظلّ عدم مبادرة رئيس الجمهورية "بيّ الكل" على تقديم تنازل من حصته وحصة حزب صهره ، تشكل مخرجاً لولادة الحكومة ولولايته الرئاسية التي تتآكل سنواتها.

الملفت أن بعض السياسيين صدّ!قوا كذبة هم أطلقوها، وهي أن لبنان بلد متقدم متمدن تسيّره المؤسسات، وصدّقوا أن تعطيل مؤسسة من مؤسساته الدستورية سيؤثر سلباً على مصالح البلاد والعباد. علماً أن المواطن اللبناني يدرك جيداً أنه لم يشعر بفرق ، لا حين كانت الحكومة موجودة ولا بعدما باتت في حكم تصريف الأعمال. الأمر نفسه حصل حين كان الشغور في رئاسة الجمهورية لسنتين ونصف، فاللبنانيون لم يشعروا بأي تغيير بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، والأزمات المعيشية والاقتصادية كانت قبل انتخاب رئيس وازدادت استفحالاً بعد انتخابه، وهي كذلك خلال وجود الحكومة وفي ظل عدم وجودها. ولعلّ هذا من الميزات التي لا يشاطر لبنان بلد آخر في العالم، فليست المؤسسات التي تدير الأمور وتسيّرها، بل الغرف المغلقة، واللقاءات الجانبية، التي يتم فيها الاتفاق على كل شيء، ثم بعد ذلك يتم تخريج ما تم الاتفاق عليه في المؤسسات الدستورية.

الوضع الأمني بدوره غير مرتبط بتشكيل الحكومة ولا بأي مؤسسة دستورية أخرى، بل هو مرتبط بعوامل داخلية وخارجية، وبالتالي لاتندرج المخاوف الأمنية ضمن الأمور التي تضغط باتجاه التسريع بتشكيل الحكومة.

يبقى التوازن الطائفي الذي يشكل ميزان الجوهرجي الذي يسيّر الأمور في لبنان، حتى من هذه الناحية لاتوجد مشكلة، فرئيس الجمهورية (الماروني) في منصبه، ويمارس سلطاته وصلاحياته. ورئيس مجلس النواب (الشيعي) في منصبه ويمارس سلطاته وصلاحياته، وإن بالحد الأدنى بسبب عدم تشكيل الحكومة، وبالتالي تعذر قيام مجلس النواب بدوره الأساسي في الرقابة على عمل الحكومة. أما رئيس مجلس الوزراء (السني)، فهو موجود في منصبه بالتكليف بانتظار تشكيل الحكومة، ولا أحد ينازعه على منصبه، وهو حسب الدستور يبقى رئيس حكومة مكلفاً وسيستمر كذلك ولا سلطة لأحد لتغيير هذا الواقع، اللهم إلا باعتذاره هو عن التكليف. هذا عدا عن أنه نفسه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وبالتالي لا ازدواجية في الأمر، كما حصل عندما تم تكليف تمام سلام بتشكيل الحكومة في ظل وجود الحريري رئيساً لحكومة تصريف الأعمال. هذه المرة سعد الحريري هو الرئيس المكلف وهو رئيس حكومة تصريف الأعمال.

وكما حصل في الأشهر الماضية، تواصل الحكومة الاجتماع لإقرار البنود الطارئة والضرورية وهي في ظل تصريف الأعمال، وكل وزير يقوم بتسيير شؤون وزارته، كما يواصل مجلس النواب الاجتماع وإقرار مشاريع القوانين الضرورية، والأمور على حالها، والأزمات تواصل حدتها على المواطن سواء تشكلت حكومة أم لم تتشكل، في ظل رئيس جمهورية أم من دون رئيس، في ظل مجلس نواب أم في غيابه. بل ربما يكون تعطيل الحكومة خير على اللبنانيين وليس العكس. فحين تكون الحكومة مجتمعة بشكل طبيعي يبدأ إقرار مشاريع النهب والفساد والسرقات والتنفيعات الطائفية، وهذا ليس اتهاماً مني، بل من أمين عام حزب الله الذي غمز في كلمته الأخيرة وتساءل هل ستكون الحكومة المقبلة لإنقاذ البلد أم لإقرار مشاريع نهب جديدة؟.

هذا لايعني أن الوضع طبيعي، وأنه لايجب السعي لتشكيل الحكومة بأقرب فرصة ممكنة. لكنه لا يعني كذلك أن يكون ذلك تهوّراً وتسرّعاً واضطراراً لتكريس أعراف غير مسبوقة وانتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة المكلف.

فإذا تشكلت الحكومة كان به، وإذا لم تتشكل نستذكر أغنية لأحمد قعبور تقول كلماتها "البلد ماشي.. والشغل ماشي.. والحكي ماشي.. ولا يهمك".

أوّاب إبراهيم