العدد 1490 /8-12-2021

رغم الشلل والعجز الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، إلا أن القوى السياسية على اختلافها بدأت "بتزييت" مكناتها الانتخابية، والبحث عن أفضل السبل والتحالفات للفوز في الانتخابات النيابية المرتقبة. تشكل الانتخابات النيابية في لبنان محطة أساسية في تشكيل السلطة، والاستفادة من خيراتها، لكنها هذه المرة تكتسب أهمية إضافية. فنتيجتها ستشكل تأكيداً أو نفياً لشرعية القوى السياسية، التي قيل الكثير منذ ثورة 17 تشرين الأول 2019 بأنها باتت فاقدة للشرعية، وأن الناس انفضّوا عنها بعدما انكشف فسادها. لذلك تريد قوى السلطة أن تثبت للعالم أن شعار "كلن يعني كلن" بلا مضمون، ولا يعكس حقيقة المزاج في الشارع، وأن شريحة وازنة من اللبنانيين مازال يلتف حول القوى السياسية رغم فسادها، في تأكيد بأن الأزمة في لبنان لا تتعلق فقط بسلطة فاسدة تتحكم برقاب اللبنانيين، بل بشعب قاصر، يصرّ عند كل مناسبة على تجديد ولائه وتأييده لقوى وأحزاب وشخصيات لاتفعل سوى إفقاره وإذلاله وسلبه أدنى مقوّمات العيش الكريم.

في المقابل تبرز قوى أخرى، تطلق على نفسها اسم "المجتمع المدني"، يتحدث باسمها أناس يرتدون ثياباً غالية الثمن، يتحدثون بفوقية، يدّعون أنهم يمثلون الشعب اللبناني المكلوم لكنهم يتحدثون بلغة غير مفهومة. بين الحين والآخر تخرج منهم آراء وأفكار لا علاقة لها لا بالمجتمع ولا بالمدنية. تارة يريدون إزاحة السلطة لأنها سلطة فاسدة فاشلة ثبت عجزها. تارة أخرى تجدهم يسعون للقضاء على حزب الله المسؤول الأول عن مآسي اللبنانيين ومصائبهم ونكباتهم، تارة ثالثة تجدهم يتحدثون عن ضرورة إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، وأن أم المشكلات في لبنان ليست في فساد السياسيين، ولا في اهتراء مؤسسات الدولة، ولا في التوظيف السياسي ونهب مقدرات الإدارة العامة، بل فقط لأنه لا يوجد في لبنان قانون إلزامي للزواج المدني. يسلّطون الضوء على أمور تقع في قعر أولويات اللبنانيين، يهتمون بمواجهة العنف الأسري، وإقرار حقوق الشاذين جنسياً لكنهم لايقربون هموم اللبنانيين إلا بشعارات وكلام لايعرف عنه معظم اللبنانيين شيئاً.

إلى جانب أحزاب السلطة وقوى "المجتمع المدني" هناك غالبية الشعب اللبناني. هذا الشعب الذي امتلأت به الساحات خلال الحراك في الشارع. هذا الشعب المسكين الذي لم يعد طموحه تأمين التيار الكهربائي 24/24 ساعة، بل زيادة ساعات التغذية ساعة أو ساعتين في اليوم والليلة. لم يعد يأمل أن يعود سعر صرف الليرة إلى سابق عهده، جلّ ما يطالب به هو استقرار سعره، فلا يتخبّط ارتفاعاً وهبوطاً. لم يعد يطالب بانخفاض أسعار السلع بل بوقف ارتفاع أسعارها. مواطن يقضي أيامه باحثاً عن فرصة عمل، أو طريقة للخروج من لبنان. هذا الشعب الذي تتحدث باسمه القوى السياسية والمجتمع المدني والقوى الدولية الكبرى، كل ما يريده هو أن يتمكن ربّ الأسرة من تأمين ما تحتاجه زوجه لإعداد سندويشة لابنها قبل ذهابه للمدرسة، فلا يشتهي الطعام الذي مع زميله. هذا الشعب المعتر يدرك أن الانتخابات لن تغيّر شيئاً من واقعه البئيس، وأنها ستكون مناسبة للكباش بين قوى مدعومة من الخارج، وحالما تنتهي الانتخابات يجلس المتخاصمون على الطاولة لتقاسم مغانم السلطة، لذلك هو لم يعد يطالب بأكثر من العيش بسترة.

هل هذا يعني أن الانتخابات النيابية ستجري حُكماً؟ في لبنان لا شيء مؤكد. ففي اللحظة التي تدرك فيها القوى الفاعلة أن نتيجة الانتخابات لن تكون في صالحها، وأنها لن تتمكن من تثبيت شرعيتها التمثيلية للشعب اللبناني، حينها لن تعجز عن عرقلة إجراء الانتخابات، سواء بطرق قانونية ودستورية ملتوية، أو بتحريك الشارع واختراع أزمة كبرى تطيح بالانتخابات.

أوّاب إبراهيم