العدد 1440 / 9-12-2020

رغم كل المشاكل والأزمات والنكبات والمآسي التي تقضّ مضاجع اللبنانيين وتسرق النوم من أعينهم، أطلّت عليهم خلال الأيام الماضية نكبة إضافية، هي التحذيرات من عودة الاغتيالات السياسية. التحذيرات هذه لم ترد على لسان منجمين أو قارئي كف بل جاءت على لسان مسؤولين أمنيين حاليين وسابقين.

مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم حذّر في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع من "عودة الاغتيالات والتصفيات الشخصية منوّها إلى ورود معلومات عن عمليات اغتيال محتملة". ورغم أن ما يجري داخل المجلس الأعلى للدفاع يفترض أن يكون سرياً، إلا أن اللواء إبراهيم حرص على تسريب تحذيراته إلى وسائل الإعلام (!!). وزير الداخلية السابق مروان شربل سلك طريق إبراهيم وحذّر بدوره من "عمليات اغتيال منبّها إلى أن أي اغتيال سياسي سيحصل سيؤدي الى فوضى". هذه التحذيرات الرسمية تبعها سيل من المقالات والمقابلات والتسريبات الإعلامية حول إجراءات أمنية مشددة اتخذها هذا المسؤول، والتزام ذاك الزعيم منزله خشية أن يكون هدفاً للاغتيال..

ما الأسباب التي استجدت حتى بات لبنان عرضة للاغتيالات السياسية، من هي الجهات التي تسعى لتنفيذ هذه الاغتيالات، من هي الشخصيات المستهدفة بالاغتيال، وما الهدف من تنفيذ الاغتيالات، وهل الحديث عن جهة واحدة تسعى لتنفيذ هذه الاغتيالات أم أن جهات عدة تترصد بلبنان؟ تزدحم وسائل الإعلام بالكثير من الحشو والكلام المتشابه لكنها لاتكبد نفسها عناء الإجابة على أي من هذه الأسئلة، علماً أن العثور على إجابة واحدة يكشف الكثير.

إذا كانت التحذيرات مرتبطة بتفجيرات كالتي شهدناها قبل سنوات، لكانت وسائل الإعلام كما السياسيين أشاروا بأصابعهم مباشرة إلى التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها، رغم أن هذه التنظيمات تعيش مؤخراً حالة ضعف وترهّل وتشتّت، بحيث بات يصعب عليها تنظيم خلايا أو تنفيذ تفجيرات. رغم ذلك، كانت الأنظار اتجهت لهذه التنظيمات. لكن المخاوف التي يتم الحديث عنها مرتبطة باغتيالات سياسية، أي أنها تستهدف مسؤولين سياسيين وحزبيين وربما زعماء طوائف، وهذا يُبعد التنظيمات الإرهابية عن دائرة الشك، أولاً لعجزها اللوجستي عن تنفيذ اغتيالات سياسية تتطلب حرفية عالية ورصد ومتابعة وأسلحة متطورة، وثانياً لأن الاغتيالات السياسية لم تكن يوماً على قائمة أهدافها.

أطراف كثيرة بإمكانها تنفيذ اغتيالات سياسية في لبنان، فكل جهاز مخابرات متطور بإمكانه القيام بذلك في ظل انفلات الساحة اللبنانية وانكشافها أمام الخارج بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكثيرة. لكن طرفان اثنان فقط هما اللذان إضافة لمقدرتهما على تنفيذ الاغتيالات لديهما مصلحة في تحقيق ذلك.

الطرف الأول هو النظام السوري المتهم بتنفيذ الكثير من الاغتيالات السياسية والتفجيرات في لبنان. ورغم سطوة هذا النظام وحلفائه على القضاء، إلا أن الأخير نجح في اتهام مسؤولين في النظام بشكل مباشر في تفجير مسجديْ التقوى والسلام بطرابلس بهدف إشعال فتنة طائفية، كما تمّت إدانة مسؤولين كباراً في هذا النظام بإدخال كميات كبيرة من المتفجرات إلى لبنان باستخدام سيارة ميشال سماحة. إذا كانت الجهة المنفذة للاغتيالات هي النظام السوري، فإن الجهات المستهدفة هي الشخصيات والقيادات المناوئة لهذا النظام.

أما الطرف الثاني القادر والمستفيد على تنفيذ الاغتيالات في لبنان فهي "إسرائيل". وأمام العدو الإسرائيلي عصافير كثيرة يمكن إصابتها من خلال تنفيذ الاغتيالات، فقد يقوم باستهداف خصومه من حلفاء إيران ومؤيديها، وقد يقوم باستهداف شخصيات قيادية في المقاومة، وهنا أقصد المقاومة الفلسطينية، وقد يستهدف شخصيات يساهم استهدافها في إثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية وهم ما يحقق هدفاً إسرائيلياً مستمراً.

بإمكان السلطة أن تتجاهل الواقع كما تشاء، لكنها تدرك جيداً أن أي اغتيال سياسي في حال حصوله، فإن الفاعل سيكون أحد اثنين، إما النظام السوري وحلفائه وإما العدو الإسرائيلي.

أوّاب إبراهيم