بقلم: أواب إبراهي

شكلت انتخابات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس قبل أيام، مادة سجالية جديدة أضيفت إلى الملفات الخلافية اللبنانية، وتحديداً بين تيار المستقبل والتيار والوطني الحر، وتحديداً أكثر  بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الخارجية جبران باسيل. الأزمة هذه تتعلق باستياء وزير الداخلية من عدم تصويت مندوب لبنان في المنظمة الدولية لصالح مرشحة مصر، وهو ما ولّد استياء مصرياً حاول المشنوق استدراكه بالتصعيد في مواجهة باسيل. فمن المعروف العلاقة الوطيدة والمتشعبة والعميقة التي تربط وزير الداخلية بالنظام المصري. وفي هذا الإطار قدّم وزير الداخلية اعتذاراً للحكومة المصرية على عدم تصويت لبنان لمرشحها في انتخابات اليونسكو. بالمناسبة ليست هي المرة الأولى التي نجد فيها معالي وزير الداخلية «القوي» حريصاً على عدم إغضاب النظام المصري والسعي لاسترضائه، فقد سبق له عام 2014 أن أوعز للأجهزة الأمنية –خلافاً للقانون- بتوقيف وتسليم عدد من الإعلاميين الإسلاميين إلى النظام المصري، دون عرض الموقوفين على النيابة العامة ودون إذن قضائي بتسليمهم، والأهم دون أن يرتكب الموقوفون أية مخالفة على الأراضي اللبنانية.
بالعودة لانتخابات منظمة اليونسكو، المؤكد أن مندوب لبنان لم يصوّت للمرشحة المصرية، وهو ما اعتبره النظام المصري طعنة في الظهر، فوجهة تصويت مندوب لبنان لدى المنظمة الدولية لم يتم الإفصاح عنها، لكنّ ما يؤكد على هذه الخلاصة هو تصريح لوزير الخارجية قال فيه إن «لبنان لم يصوّت لقطر ضد مصر في انتخابات «اليونسكو»، بل أبعد نفسه عن المشكلة كما ينص البيان الوزاري، بعد أن عجز عن تأمين التوافق العربي»، ولعلّها من المرات النادرة التي يلتزم فيها جبران باسيل بالبيان الوزاري، الأمر الذي افتقدناه حين التقى وزير خارجية النظام السوري في نيويورك.
شكلت انتخابات منظمة اليونسكو في الأسابيع الماضية وسيلة من وسائل كثيرة أرادت الدول التي تحاصر قطر تشديد الخناق حول الدوحة، وهي سعت بكل ما تستطيع لحشد الدعم للمرشحة المصرية كي تفوز بهذا المنصب الثقافي الأرفع في العالم على حساب مرشح قطر. لكن النتيجة جاءت معاكسة، ففي كل مراحل الانتخابات الأربعة حلّ المرشح القطري في المرتبة الأولى، في حين حلّت مرشحة مصر في المراتب الأخيرة، وكانت خسارة مرشح قطر في التصفيات النهائية نتيجة مباشرة لتجيير أصوات مصر لصالح المرشحة الفرنسية لتفويت الفرصة على قطر، الأمر الذي لو حصل سيشكل ضربة موجعة للدول التي تحاصر قطر، وتبذل ما تستطيع لتشويه صورة قطر وتسعى لعزلها. 
بالتزامن مع بدء الحصار السعودي الإماراتي البحريني ومعهم المصري على قطر، سعت البعثات الديبلوماسية لهذه الدول على حشد التأييد الدولي لما تقوم به، وقد نجحت في مسعاها مع بعض الدول الضعيفة والفقيرة التي اضطرت لمجاراة رغبة دول الحصار حرصاً على المساعدات التي تقدمها هذه الدول، ودرءاً لأذاها، فقطعت علاقاتها الديبلوماسية مع الدوحة.
لبنان كان من الدول التي سعت دول الحصار لاستمالتها، على اعتبار أنه من الدول الصغيرة والضعيفة. لذلك، منذ الأيام الأولى لحصار قطر، جال على المسؤولين اللبنانيين سفراء كل من الإمارات والبحرين ومصر إلى جانب القائم بالأعمال السعودي، وطلب السفراء ممن التقوهم الوقوف إلى جانبهم في حصار قطر، وقطع العلاقات مع الدوحة. لكن الجواب كان أن لبنان يتبع سياسة النأي بالنفس، وهو لن يدخل طرفاً في الأزمة الخليجية. الحياد الإيجابي من الأزمة الخليجية لم يكن خُلُقاً رفيعاً من الحكومة ولا حرصاً على الشقيق القطري، بل لأن الطرف الأقوى في الحكومة (وهو حزب الله) لا يجد نفسه معنياً بالوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي يناصب سياستها العداء في المنطقة، بالإضافة لمعاداة السياسة الإماراتية الاستعمارية التي تمارسها في جنوب اليمن، هذا عدا عن التقارب القطري الإيراني الذي زاد حرارة بعد الحصار، بعدما فتحت طهران موانئها لتأمين ما تحتاجه قطر. كل ذلك جعل من الموقف اللبناني صارماً في رفض التدخل في الأزمة الخليجية، والوقوف على الحياد.
لعلّ من إيجابيات الانقسام الداخلي هو استحالة إغراق لبنان في محاور الخلاف الإقليمية. فلكل محور خارجي حليف داخلي حريص على إرضائه ولو على حساب السيادة الوطنية، لكن الفرج يأتي من الفيتو الذي يرفعه الطرف المقابل.