العدد 1360 / 1-5-2019

ككل عام، أحيا الأرمن في لبنان ذكرى ما يطلقون عليه "الإبادة الجماعية"، التي يقولون إن حكومة "تركيا الفتاة" العثمانية ارتكبتها بحق مئات آلاف الأرمن قبل وخلال الحرب العالمية الأولى. إحياء المناسبة هذا العام لم يمر بهدوء، فقد شهدت فعاليات المناسبة إحراق العلم التركي، ورفعت في مناطق الأرمن يافطات تطالب بمقاطعة السياحة في تركيا (الإرهابية) ومقاطعة بضائعها.

يعبّر الأرمن في لبنان عن مشاعرهم وأفكارهم بفائض من الثقة بالنفس، دون أي مراعاة لاستياء شريحة واسعة من اللبنانيين تشعر بالودّ والتقدير لتركيا وشعبها وحزبها الحاكم. هذه الشريحة تشكك بالرواية التي يقدمها الأرمن حول ما حصل قبل أكثر من مئة عام، وهم يميلون لرواية أخرى بأن ما حصل كان حرباً بين طرفين وليس مجزرة أو إبادة جماعية كما يروّج الأرمن. هذه الشريحة هم لبنانيون أصيلون وليسوا مجنّسين كحال الأرمن، رغم ذلك هم يعتبرون أنفسهم امتداداً للدولة العثمانية ويتمنون لو أنها مازالت قائمة. وهم معجبون جداً بالنموذج التركي الذي قدّمه حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، الذي نقل تركيا إلى مصاف الدول الكبرى، ويحلمون لو يكون لهم رئيس كأردوغان.

إضافة لتنوّعه الطائفي، فإن لبنان يتميّز بتنوّع الجنسيات التي تعيش على أرضه. فهناك الأرمن والفلسطينيون والسوريون، وغيرهم من الجنسيات. وحدهم الأرمن تم تجنيسهم، فباتوا لبنانيين ينتخبون نواباً لهم في المجلس النيابي، ويتم تمثيلهم وفي الحكومة والوظائف الإدارية. وتحرص الطبقة السياسية على نيل رضا الأرمن ليس محبة بهم، بل حرصاً على أصواتهم الانتخابية. في المقابل، لايخجل الأرمن بانتمائهم الأرمني، وانغلاقهم في تجمعاتوأحزاب خاصة بهم، ويفاخرون بتمسكهم بلغتهم وعاداتهم وتراثهم وتاريخهم، ووصل الأمر بأحد وزرائهم في الحكومة أن قال صراحة أنه يفضل أرمينيا على لبنان، دون أن نسمع صوتاً يشكك بوطنية الوزير أو يطالبه بالاستقالة أو أقلّه الاعتذار.

ما على ضيوفنا الأرمن -الذين باتوا شركاءنا في الوطن- أن يدركوه هو أن سبب تجنيسهم دون غيرهم هو دينهم المسيحي. ومحاولة السلطة إحداث توازن طائفي بين المسلمين والمسيحيين بعدما بات المسلمون (سنة وشيعة) يشكلون ضعف عدد المسيحيين. ولولا ذلك، لكن وضع الأرمن شبيهبوضع اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين الذين يتم التضييق عليهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم والتعامل معهم بفوقية وغلظة، ولكنا لسمع كل يوم تصريحات من مسؤولين يطالبون بعودة الأرمن إلى بلدهم وتحمل الدولة اللبنانية تكاليف باهظة من وجودهم في لبنان خاصة أنه لم يعد هناك أي مبرر للعودة إلى أرمينيا.

يراعي اللبنانيون الذاكرة التي يحملها الأرمن في عقولهم حول الإبادة التي تعرض لها أجدادهم سواء كانوا محقين بذلك أم لا، لكنهم يريدون من الأرمن أن يراعوا كذلك أن شريحة من اللبنانيين ليسوا معنيين بما في عقولهم، ولا يوافقونهم ما يؤمنون به، ويرفضون الضغوط التي يمارسونها للاعتراف بأحداث تاريخية مرّ عليها قرن من الزمن لا علاقة لهم بها. إذا كانت مشكلة الأرمن مع تركيا فلتبق كذلك، وليحتفظ الأرمن بأفكارهم وآرائهم، وليحترموا مشاعر اللبنانيين الذين لا يشاطرونهم أفكارهم، ويرفضون أي إساءة لتركيا التي تشكل في ذاكرتهم عبق السلطنة العثمانية.

ثم ماذا لو أرادت كل مجموعة من اللبنانيين أن تجاهر بعدائها للدولة التي أساءت إليها , وارتكبت بحق أبنائها مجازر دون مراعاة الآخرين. كيف سيكون الوضع لو أحرق مؤيدو حزب الله علم السعودية باعتبرها ترتكب مجازر بحق أشقائهم الحوثيين وأعدمت عشرات الشيعة، أو لو أحرق مؤيدو تيار المستقبل علم إيران مراعاة لخاطر السعودية، ماذا لو أحرق آخرون علم فرنسا التي يعتبرها البعض أمهم الحنون؟! لو أراد اللبنانيون إحراق علم كل دولة أساءت اليهم وارتكبت بحقهم مجزرة، ربما لما بقي علم دون إحراق. لكنهم يراعون مشاعر بعضهم، ويحتفظون بآرائهم لأنفسهم، وهذاما يجب على الأرمن في لبنان أن يدركوه ولو متأخرين.

أوّاب إبراهيم