العدد 1367 / 26-6-2019
أواب إبراهيم

وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري أصدر موقفاً واضحاً من انعقاد الورشة الاقتصادية في المنامة. هذه الورشة التي يؤكد البعض أنها الخطوة الأولى في مسار "صفقة القرن" التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية. بري وقد أن لبنان لن يكون شريكاً في بيع فلسطين ومقدساتها، ولن تغريه مليارات الدولارات المعروضة لتوطين شعبها وإلغاء حق العودة، وأضاف أن لبنان واللبنانيين لن يكونوا شهود زور أو شركاء ببيع فلسطين بثلاثين من الفضة.

هو الموقف الرسمي الوحيد الصادر عن مسؤول في الدولة اللبنانية، أما بقية المسؤولين الذين تزدحم وسائل التواصل الاجتماعي بمواقفهم وتغريداتهم وصورهم فلم يصدر عنهم حرف واحد تعليقاً على الورشة، رغم أن أحد البنود الرئيسية المطروحة في الورشة هو توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون على أرضها، وهو ملف حساس ويعتبره البعض تهديداً للكيان اللبناني، وهم بمناسبة ودون مناسبة يطلقون تصريحات رافضة للتوطين. حتى وزير الخارجية الذي يحشر أنفه بكل شيء، بالكهرباء والتلوث والسدود المائية والنازحين السوريين والعيش المشترك والانفتاح والسيادة وهيبة الدولة والتيار الوطني الحر وسد بعلبك ومشروع بجدرفل وصخور بشري والمواطنية والاعتدال والمجتمع المسيحي واليد الممدودة ودرب رفقا والقديسين وغيرها الكثير.. رغم كل ما سبق، لكن حرفاً واحداً لم يصدر عنه حول ورشة البحرين علماً أنه المعني الأول والرئيسي به بخلاف مئات الملفات الأخرى التي ينظّر بها ويصادر صلاحيات أصحابها. غياب باسيل عن التعليق على حدث هام كورشة البحرين ليس غباء منه ولا إهمالاً، لكنه يدرك أن هامش الخطأ في ملف حساس كورشة البحرين ممنوع ويمكن أن تحرق المركب الذي يسعى أن يحمله إلى قصر بعبدا. فالورشة من إعداد وتنظيم الجانب الأميركي ومعها الذين يدورون في فلكها. فإذا أطلق باسيل موقفاً مؤيداً للورشة فإنه بذلك يكون قد أرضى هذا المحور، لكنه في المقابل يكون أغضب الجانب الآخر الذي يعد حليفاً له ويعتمد عليه ليكون جواز مروره إلى القصر الجمهوري، وإذا أطلق موقفاً معارضاً للورشة فإن ذلك قد يعجب حلفاءه، لكنه سيؤدي لوضع فيتو على اسمه من الجانب الآخر، لذلك آثر الصمت والانشغال بمناكفة كل اللبنانيين وإطلاق تصريحات مليئة بالعنصرية والكراهية والطائفية.

رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يتهمه خصومه بأنه محسوب على المحور الأميركي السعودي الإماراتي الذي ينظم ورشة البحرين، لم تصدر عنه أي كلمة تتعلق بالموضوع. فهو انشغل خلال الأيام الماضية بمبارزة تويترية مع الحزب التقدمي الاشتراكي جعلت "اللي ما يسوى يتفرّج". وربما يكون السبب الحقيقي لغياب الحريري أنه أراد أن ينأى بنفسه عن الحرج الذي ربما يتسبب به ان هو أطلق موقفاً مؤيداً للورشة، وهو لايريد تكرار ما حصل بعد مشاركته ممثلاً للبنان في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في جدة , بعدما أعلن أمين عام حزب الله أن الكلمة التي ألقاها الحريري في المؤتمر لاتمثل لبنان وتشكل خروجاً على مبدأ الحياد الذي تمّ الاتفاق عليه في البيان الحكومي، هذا عدا عن أن الحريري في غنى عن ملف خلافي جديد مع حزب الله.

أما رئيس الجمهورية، فحاله كحال صهره وزير الخارجية، آثر الابتعاد عن هذا الملف الساخن حرصاً على مرور ما تبقى من ولايته الرئاسية على خير، ويكفيه استقبال وفود اقتصادية وجمعيات أهلية وممثلي بعثات دولية والتصريح بعد كل لقاء بالتأكيد على رفض التوطين والتذكير بالتكاليف الباهظة التي يرتبها وجود النازحين السوريين في لبنان، والاتصال برئيس بلدية الحدث للتضامن معه في قراره منع تأجير أو تمليك غير المسلمين في المنطقة. أما ملفّ حساس وخطير كورشة البحرين فلا داعي للاقتراب منه، وهو لايريد ارتكاب الزلّة التي ارتكبها الرئيس ميشال سليمان حين تحدث عن المعادلة الخشبية (الجيش والشعب والمقاومة) والتي أغضبت حزب الله عليه، وتسببت بعدم التجديد له وتهميشه من الحياة السياسية. جلّ ما يطمح إليه رئيس الجمهورية هو أن يكمل ولايته الرئاسية بهدوء، وأن يمهّد الطريق أمام وصول زوج ابنته إلى قصر بعبدا، وأن يحميه من غيرة وكيد زوج ابنته الآخر.

الحسابات الضيقة والمصالح الشخصية للرؤساء والمسؤولين مؤسفة ومعيبة في الكثير من الأحيان، لكنها في أحيان أخرى تكون مفيدة. فلولا هذه الحسابات ربما لكان لبنان في مقدمة صفوف المشاركين في ورشة البحرين يقامر ويساوم على ملف توطين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه.

أوّاب إبراهيم