أواب إبراهيم

«من ستنتخب؟»، هو السؤال الأكثر تداولاً بين اللبنانيين. فعلى بُعد مسافة أيام من موعد الانتخابات النيابية، وبعدما توضّحت صورة اللوائح والتحالفات في مختلف الدوائر الانتخابية، لم يبق إلا أن ينزل اللبنانيون يوم 6 أيار المقبل لانتخاب من يرونه مناسباً. قد يبدو الأمر في ظاهره بسيطاً وسهلاً، لكنه في حقيقته ليس كذلك. ففي حين اعتاد اللبنانيون في الدورات الانتخابية السابقة انتقاء من يناسبهم وتشكيل لوائحهم بأنفسهم، فإنهم في هذه الانتخابات مضطرون لمنح صوتهم لمرشح واحد فقط. وهم ملزمون أيضاً بأن يمنحوا صوتهم للائحة نفسها التي منحوا أحد أفرادها صوتهم التفضيلي ولو كانوا لايؤيدون بقية أفراد اللائحة. 
من حيث المنطق، سيقترع الناخب اللبناني لمصلحة المرشح الذي يجده الأصلح والأفضل والأكفأ بين المرشحين. المرشح الذي ليس عليه شبهة فساد، المعروف بأعمال الخير واليد البيضاء، المثقف والحكيم والمتزن. هذا من حيث المنطق، لكن نظرة على أرض الواقع تدفع المرشح الأصلح إلى الصفوف الخلفيّة ويحلّ مكانه مرشح رائحة فساده تزكم الأنوف، لايفقه فك الأحرف عن بعضها، وإذا تحدث فكلامه ممجوج لايُفهم أوله من آخره. ما أدى لهذا التغيير عوامل أخرى جعلت من صلاح المرشح وفساده عاملاً ثانوياً مقابل عوامل أكثر تأثيراً.
فقد يكون السبب الذي دفع لاختيار مرشح بعينه أنه أعطى الناخب وكل أفراد عائلته 150$ لانتخابه، قد يكون أنه تكفل بتعليم أبنائه في مدرسة محترمة، قد يكون أنه دفع تكاليف عملية جراحية طارئة لوالدته، وقد يكون دفع تذكرة سفره للمجيء إلى لبنان لانتخابه، كل ذلك قد يكون دافعاً لانتخاب المرشح ولو كان فاسداً!
قد لا يكون للمرشح فضل على الناخب ولم يسبق له أن ساعده، وقد يكون بالفعل هو الأصلح، لكن الأزمة تكمن في أنه موجود في لائحة دلّت المؤشرات والتوقعات على أنها لن تتمكن من تأمين حاصل انتخابي يتيح لأحد أفرادها الفوز بمقعد نيابي. في هذه الحالة، يمتنع الناخب عن منح صوته لمن يعتقده الأصلح، معتقداً أن صوته في هذه الحالة سيذهب هدراً، على اعتبار أن اللائحة ستسقط بجميع أفرادها بسبب عجزها عن تأمين الحاصل الانتخابي. 
خيارات بعض اللبنانيين ستكون خلفياتها مختلفة. ففي بلد طائفي مركب كلبنان، نشأت شريحة من اللبنانيين على فكرة أن لكل طائفة مرجعيتها السياسية التي يجب الحفاظ عليها في مواجهة المرجعيات السياسية للطوائف الأخرى. فإذا ضعفت المرجعية تضعف معها الطائفة. ويظن هؤلاء أن المرجعية السياسية التي تمثل الطائفة قدَر لا يمكن تغييره أو الفكاك منه حتى وإن كان أداء هذه المرجعية سيئاً ومخزياً ولم يقدم شيئاً لناخبيها. رغم ذلك، يقترع الناخب لمصلحة هذه المرجعية حرصاً على بقائها قوية على رأس كتلة نيابية وازنة تقارع من خلالها الطوائف الأخرى.
لبنانيون آخرون أكثر سطحيّة من الذين سبقوهم، وهم الذين يقدّمون في اختيارهم للانتخاب سليل البيت والعائلة السياسية الفلانية، التي يجب أن يبقى بابها مفتوحاً وليس مسموحاً إغلاقه، فيجري التصويت للوريث السياسي، حتى وإن كان فاسداً أو لا يميّز الألف من العصا.
يبقى الناخب الذي يريد أن يريّح رأسه. هو ذاك الملتزم القيام بواجبه الوطني بالاقتراع، لكنه لم يضيّع وقتاً في التفكير بهوية المرشح الذي سيمنحه صوته التفضيلي. هذا الناخب الذي تابع وشاهد وخَبِر أداء النواب الحاليين طوال تسع سنوات خلت، يريد انتخاب واحد منهم لأنه لا يريد المجازفة بالتعرف إلى مرشح جديد، قد يكون أكثر كفاءة وصلاحاً وخبرة وحكمة من النواب الحاليين، لكنه لم يتكبد عناء التعرف إليه. شعاره في الحياة «اللي منعرفوا أحسن من اللي ما منعرفوا»، فيجدد ثقته بالنائب الحالي سواء كان فاسداً أو صالحاً «على صحة السلامة».
أياً كانت العوامل المساهمة في تحديد خيارات اللبنانيين الانتخابية، فإن عليهم أن يدركوا أن من سيفوزون سيتحكمون برقابهم لأربع سنوات قادمة.. على الأقل!