أواب إبراهيم

تكمن خطورة الأزمة الجديدة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في أنها بين رجلين عنيدين. فأجواء الأعياد الإيجابية السائدة في لبنان لم تدفع بري إلى بلع محاولة رئيس الجمهورية تمرير مرسوم منح ضباط الجيش اللبناني دورة عام 1994 المعروفة بدورة عون، أقدمية لمدة سنة دون الحصول على موافقته.
كان يمكن الرئيس بري أن يمرّر الأمر بصمت، فالرئيسان عون وبري يفترض أنهما في فريق واحد، وإذا كان متوقعاً معارضة المرسوم، فكان ذلك منتظراً من جهة رئيس الحكومة سعد الحريري. لكن من الواضح أن عون استغل اللحظة التي شعر فيها الحريري بأنه مدين له لوقوفه إلى جانبه في أزمة توقيفه في السعودية، فوافق الحريري على توقيع المرسوم، لكن الرفض جاء من حيث لم ينتظر عون.
الكيمياء الغائبة بين الرئيسين عون وبري لم تكن يوماً سراً. ومن المعروف أنه لولا الجهود الجبارة التي يبذلها حزب الله واضطرار السيد حسن نصرالله في أحيان كثيرة إلى التدخل والوساطة بين الرجلين لخرجت الخلافات إلى الإعلام. فإضافة إلى عناد الرجلين، تستند الخلافات بينهما إلى أبعاد تاريخية وطائفية. فدورة الضباط التي أراد رئيس الجمهورية تمرير أقدمية سنة لأفرادها هي الدورة التي كان أثناءها ميشال عون رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية، بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. وفيما كان الدور المطلوب من حكومة عون تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا أن عون حلّ مجلس النواب، وأعلن حربه على النظام السوري. وفي ذلك الحين كان الرئيس نبيه بري أحد أهم حلفاء هذا النظام، وساند الجيش السوري في مواجهة عون وطرده من قصر بعبدا. 
أما في البعد الطائفي، فإن الدورة التي أراد الرئيس عون تمرير مرسوم منحها أقدمية قوامها 195 ضابطاً، 179 مسيحياً وستة عشر مسلماً، وهذا يخلّ بالتوازن الطائفي. فالمرسوم الذي وقّعه عون يعني أنه في العام القادم، بعد إحالة عشرات العمداء على التقاعد، فإن معظم العمداء العاملين سيكونون من الضباط المسيحيين، وهو خلل تحرص المؤسسة العسكرية على عدم الوقوع فيه. بالإضافة إلى أن جميع ضباط هذه الدورة هم من الموالين لعون.
الجانب الطائفي الآخر للمشكلة، هو أن تجاهل رئيس الجمهورية الحصول على توقيع وزير المالية (الشيعي) سيكرّس سابقة يحارب رئيس مجلس النواب لعدم حصولها، وهي إمكانية صدور مراسيم دون الحصول على الشريك الشيعي في الدولة. وكلنا يذكر أن الرئيس نبيه بري كان شرطه الوحيد الذي لم يكن مستعداً للتنازل عنه عند تشكيل الحكومة هو أن تكون وزارة المالية من حصته، لضمان وجوب الحصول على توقيع الطرف الشيعي على جميع المراسيم. لكن رئيس الجمهورية (المسيحي) تجاهل توقيع وزير المالية واكتفى بتوقيع رئيس الحكومة (السني) ووزير الدفاع التابع له. وهو أمر لن يسمح بري بحصوله لعدم تكريس سابقة غياب توقيع الوزير (الشيعي) على المراسيم، ومن الواضح أن حزب الله يسانده في هذا الموقف وإن كان حريصاً على التزام الصمت حرصاً على عدم إحراج رئيس الجمهورية.
مشكلة الرئيس عون هي أن خلافه مع الرئيس نبيه بري الذي كرّس أداء فريداً في العمل السياسي في لبنان. فرغم وضوح بري في تموضعه السياسي إلا أنه يحرص دائماً على عدم قطع العلاقة مع الآخرين حتى مع ألدّ خصومه، واحتفاظه الدائم بمركز المفاوض بين الجميع. هذا ما حصل عند انعقاد طاولة الحوار بين القوى اللبنانية الذي رعاه بري، رغم وقوفه بشكل صريح إلى جانب حزب الله. وهو ما تكرر في جلسات الحوار الثنائية التي احتضنها بري في عين التينة بين تيار المستقبل وحزب الله في ذروة التشنج والشحن الطائفي. 
مشكلة الرئيس ميشال عون أن خلافه مع شخصية هي الوحيدة التي حافظت على مكانتها ومكتسباتها رغم تبدل الظروف وانقلاب الأحوال منذ الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. أزمة الرئيس عون هي أنه لن يجد من يسانده في مخاصمة نبيه بري.