العدد 1488 /24-11-2021

يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الأيام مواجهة لا تقل خطورة عن محاولة الانقلاب عليه عام 2016. يومذاك كانت المعركة قائمة بين الشرعية التي يمثلها أردوغان كرئيس للجمهورية، وبين الدولة العميقة المتغلغلة في الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية والإعلامية ورجال الأعمال. لكنها كانت معركة داخلية بين الأتراك أنفسهم، وان كانت قوى خارجية دعمت الانقلاب وحرضت عليه. أما المعركة التي يخوضها أردوغان اليوم فهي مع "السيستم"، مع النظام المالي العالمي القائم على الفائدة الربوية، التي تُنهك الاقتصاد التركي وتساهم بانخفاض قيمة الليرة التركية.

ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها أردوغان النظام الربوي ويدعو لاقتصاد منتج. فقد سبق له في عدة مناسبات أن أشار للسلبيات التي يؤدي إليها النظام الربوي، منتقداً نسبة الفائدة المرتفعة التي تقدمها المصارف لجذب أموال المودعين. لكن يبدو أن الرئيس التركي مصمم هذه المرة على استكمال المواجهة، خاصة أنه لم يكن البادئ، بعدما وصل التضخّم لحدّ غير مسبوق، وارتفع سعر الفائدة لمستويات قياسية فاقت 20%، الأمر الذي انعكس انهياراً في سعر صرف الليرة التركية.

منذ وصول أردوغان إلى السلطة، سواء كان في رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية، كثيرون كانوا يسعون للإطاحة به، بسبب خلفيته الإسلامية وعقليته المختلفة. لكن اليوم، وبعدما تجاوز أردوغان الخط الأحمر بقرار مواجهة الفائدة الربوية المصرفية، فإنه يكون بذلك قد أعلن حرباً ليس على النظام الربوي في تركيا فقط، بل على النظام الربوي، وهو الذي يقود النظام المالي في العالم، وتهيمن عليه مصارف عالمية وشركات ولوبيات مصرفية عابرة للقارات. وإذا ما واصل أردوغان معركته هذه، فالمخاوف عليه أكبر من المخاوف التي أحاطت به خلال محاولة الانقلاب عليه.

الأزمة نفسها التي يعاني منها الاقتصاد التركي يعاني منها لبنان. الفارق أن في تركيا رئيس جمهورية امتلك الشجاعة ليضع الإصبع على الجرح ويقرر مواجهة "السيستم" المصرفي الذي يتحكم بالعالم، ويحاول تحويل الاقتصاد من ريعي إلى منتج. بينما في لبنان، لم تكتف السلطة بعدم اتخاذ إجراءات لوقف الانهيارات، بل إنها لم تتحلّ بالجرأة للمجاهرة بالسبب الحقيقي وراء هذا الانهيار، وهو اعتماد الاقتصاد على الفوائد الربوية وإفراغ الاقتصاد من مقومات قوته.

فالأموال التي جمعها اللبنانيون المغتربون على مدى سنوات عملهم في الخارج، عِوض استثمارها في إنشاء مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة يعمل فيها أصحاب الكفاءات من ذوي المغتربين وأصدقائهم وأبناء قراهم وبلداتهم ومعارفهم، قاموا بتجميد أموالهم في المصارف، بعدما باتت تقدم فائدة ربوية تفوق قيمتها الأرباح التي يمكن لأي مشروع أن يحصل عليها، عدا المخاطر التي يمكن أن تواجه هذه المشاريع. إضافة إلى أن المصارف اللبنانية قدمت نسبة فائدة أعلى من تلك التي تقدمها المصارف في الدول التي يعمل فيها المغتربون. لذلك نجد أن نسبة لابأس بها من الأموال المحتجزة في المصارف اللبنانية تعود لمغتربين أودعوا فيها جنى أعمارهم.

ليس المغتربون وحدهم من وقع في فخ الربوية. فاللبنانيون المقيمون "ماقصّروا" بحق أنفسهم. فالكثير منهم لاسيما المتقاعدون لم يتكبدوا عناء البحث عن استثمار مناسب ليستخدموا فيها تعويضاتهم المالية. فاستسهلوا الأمر وأودعوا تعويضاتهم وأموالهم في المصارف بعدما أغرتهم الفائدة الربوية المرتفعة التي تقدمها، وباتوا يعتاشون من هذه الفائدة التي تصلهم نهاية كل شهر وهم نائمون على أسرتهم. هذا الواقع جعل أموال اللبنانيين في المصارف يستغلّها كيف تشاء، وباتت قطاعات الاقتصاد الأخرى المنتجة الزراعية والصناعية والتجارية لا تجد ممولاً لها.

ربما يحاذر البعض التطرق لدور الفائدة الربوية في الانهيار المالي الذي يعاني منه لبنان حرصاً على عدم إعطاء بُعد ديني قد يستفز البعض الآخر. لكن ذلك لاينفي أن السياسة الربوية التي يقوم عليها النظام المصرفي هي السبب الأساسي في الانهيار الحاصل.

أوّاب إبراهيم