أواب إبراهيم

مرت الذكرى التاسعة لأحداث 7 أيار هذا العام بأهدأ ما يكون. ولولا موقع الفايسبوك الذي يتميز بتذكير المتابع بالأمور التي شهدها اليوم نفسه في الأعوام السابقة لغابت المناسبة عن كثيرين، فاقتصر الأمر على تعليقات وتوزيع إعجابات. أما سياسياً، فلم يتطرق أحد لهذه المناسبة، ومن المرجح أن تجاهلها كان متعمداً، ربما كي لا ينزعج خاطر حلفاء الوطن الذين ارتكبوا خطيئة 7 أيار، وهم اليوم باتوا حلفاء وشركاء في الحكومة وفي جلسات الحوار. وحده الوزير السابق أشرف ريفي أصدر بياناً يتيماً حول المناسبة، دعا فيه «إلى الاستمرار في النضال لتحرير الدولة ومؤسساتها من قبضة نفوذ النظام الإيراني واستعادة قرارها»، علماً أن ريفي كان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي حين حصلت أحداث 7 أيار 2008، وكان يومها «بيدبح بضفره»، لكنه رغم ذلك لم يحرّك ساكناً لمواجهة الهجمة الميليشياوية التي تعرضت لها بيروت وبعض المناطق، ولم يعاقب أياً من عناصر قوى الأمن الداخلي الذين تداولت وسائل الإعلام صورهم خلال مشاركتهم الميليشيات المسلحة في السيطرة على بيروت.
حرصاً على عدم ظلم أحد، ربما يكون السبب وراء إهمال أحداث 7 أيار 2008 لا يعود فقط إلى عدم استفزاز من وصف هذا اليوم بالمجيد، بل ربما يعود كذلك إلى أن الخطيئة التي ارتكبها حزب الله في ذلك اليوم، لم تعد تقاس بالخطايا التي ارتكبها - ويرتكبها - كل يوم من خلال مشاركته في مساندة النظام السوري في قتل شعبه، ومساندة الحوثيين في اليمن، ودعم الحشد الشعبي في العراق، وتدخله في البحرين والسعودية و... كل ذلك جعل مما حصل يوم 7 أيار نقطة في بحر الأخطاء والزلاّت وقع ويقع فيها الحزب منذ ذلك الحين. لكن  ما يميّز أحداث 7 أيار عما تبعها، هو أنها شكلت مفاجأة للبنانيين والعالم. فلم يكن أحد يتوقع أن يقوم الحزب بما قام به يومها. وإذا عدنا إلى المرحلة التي سبقت أحداث 7 أيار، فقد كان حزب الله يكرر في كل مناسبة حتى سئمنا تكراره، أن كل ما يسعى إليه هو حماية لبنان واللبنانيين من المخاطر التي تحدق به، كان المقصود بالمخاطر حينذاك هو العدوّ الإسرائيلي فقط، فلم تكن معزوفة مخاطر الجماعات التكفيرية رائجة، وكان الأمين العام للحزب يشدد في كل مناسبة على أن بوصلة بندقية حزبه لن تحيد ولن تتغير، وستبقى موجهة جنوباً إلى العدوّ الإسرائيلي، وأن الحزب ليس معنياً بالمناصب الداخلية وغير طامع بأي مركز، وأن على جميع اللبنانيين مساندة حزب الله في معركته مع الاحتلال. ثم في ليلة «ليس بها ضوء قمر» انقض الحزب ومن معه من مليشيات مسلحة على بيروت، واستخدم سلاحه في قتل واعتقال وإحراق ونهب مؤسسات إعلامية ومراكز حزبية. وكانت هذه الواقعة محطة مفصليّة في رؤية اللبنانيين والعرب والمسلمين لحزب الله الذي كان يحظى بتأييد وحب شريحة واسعة منهم، لم ولن يسترجعها حتى يومنا هذا.
استراتيجية الحزب يوم 7 أيار اختلفت في المحطات اللاحقة، لعلّ أبرزها غرقه في الأزمة السورية. فالحزب كان مضطراً للتدرج في إعلان مشاركته، ليس حرصاً على مشاعر السوريين أو العالم، بل لتحضير صفه الداخلي واستنهاضهم، وهم الذين طالما فهموا وتعلموا وتربوا على أن المعركة هي فقط في الجنوب اللبناني وفي مواجهة العدوّ الإسرائيلي، فإذا بنصر الله يدعوهم لميدان آخر بعيداً عن الجنوب. وفي سبيل تحقيق ذلك اضطر الحزب للتدرج لتهيئة صفه الداخلي. في البداية كانت الرواية أن الهدف وطني وهو التدخل في سوريا مرتبط بحماية اللبنانيين الذين يعيشون في القرى السورية المتاخمة للحدود اللبنانية. 
ثم في مرحلة لاحقة بات الهدف دينياً، وهو حماية العتبات المقدسة في حيّ السيدة زينب، إلى أن انكشفت الرواية وأعلن الهدف بمساندة النظام السوري تحت راية محاربة الجماعات التكفيرية التي لم نكن سمعنا بها حين بدأ الحزب تدخله في سوريا.
اليوم وبعد تسع سنوات على خطيئة 7 أيار، لا فائدة من مطالبة الحزب بمراجعة ما قام به أو الاعتذار عنه، فما ارتكبه بعدها أولى بالمراجعة والاعتذار.>