العدد 1361 / 8-5-2019
أواب إبراهيم

سواء كانت التغريدة التي كتبها وزير الخارجية جبران باسيل بريئة أم متعمّدة، فإنه في جميع الأحوال أعاد لأذهان اللبنانيين ذكرى أحداث 7 أيار 2008 التي سعى كثير من اللبنانيين لنسيانها.

باسيل في تغريدته زعم أنه كان يقصد من إشادته بتاريخ 7 أيار التذكير باليوم الذي عاد فيه العماد ميشال عون إلى لبنان من منفاه الباريسي بعد 15 عاماً من الغياب. المؤكد أنه لم يكن خافياً على باسيل أن هذا التاريخ يشكل لشريحة واسعة من اللبنانيين محطة سوداء في تاريخ لبنان الحديث، استخدم فيها حزب الله سلاحه للسيطرة على بيروت وسعى لإسقاط الحكومة بالقوة.

لم يكن ما فعله حزب الله في ذلك اليوم الخطيئة الوحيدة التي ارتكبها، بل كان مقدمة لسلسلة أخرى من الخطايا ، ليس بالضرورة أن تكون مشابهة لأحداث 7 أيار 2008، لكن تبعاتها كانت مشابهة، وربما أخطر.

فرغم التفاهم الذي حصل في اتفاق الدوحة على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لكن حزب الله اعتبر أن ما قام به في 7 أيار يسمح له أن يكون الآمر الناهي في البلد، ضارباً عرض الحائط بكل المواقع الدستورية والرئاسات الأخرى، فقرر في لحظة معينة أنه آن الآوان للتخلص من الحكومة، فابتكر رواية مطالبة الحكومة ببحث ملف شهود الزور بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهو ما لم يستجب له بقية الأفرقاء، فسقطت الحكومة بعدما استقال ثلث أعضائها عام 2011، الذين سبق للحزب أن اشترط حصوله عليهم لتشكيل الحكومة، علماً أن ملف شهود الزور الذي رفع رايته الحزب لم يعد يطالب به أو يتذكره منذ ذلك الحين.

خطيئة أخرى ارتكبها حزب الله بحق لبنان واللبنانيين من خلال تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية بعد شغور سدة الرئاسة بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. مرشح حزب الله كان العماد ميشال عون الذي لم يكن يحظَى بتأييد أحد سوى الحزب، دون أن يحظى بتأييد حلفائه. لكن حزب الله أصرّ على عون وفرض على من يدورون في فلكه الغياب عن جلسات انتخاب الرئيس لإفقاد الجلسة نصابها، وهو تعطيل استمر قرابة عامين ونصف، كانت خلالها الحكومة عاجزة عن اتخاذ قرارات حقيقية بسبب حالة تصريف الأعمال الذي كانت عليه، كما تعطل عمل مجلس النواب التشريعي والرقابي على الحكومة إضافة لعجزه عن انتخاب الرئيس. هذا الواقع أدى لحال من التوتر والاحتقان وتآكل اقتصادي، يدفع اللبنانيون اليوم ثمنه.

في النقاش الذي دار حول القانون الانتخابي، سلك حزب الله الدرب نفسه وفرض شرطاً على بقية القوى الأخرى وهي أن يعتمد القانون النسبية بذريعة أنه يحقق عدالة تمثيلية. لكن لايخفى على أحد أن الدافع الأساسي لذلك هو تقليص أحجام خصومه النيابية. وكما في المرات السابقةكانت المعادلة إما يتم إقرار القانون الانتخابي وفق النسبية التي يريدها حزب الله أو لا انتخابات. وكما في المحطات السابقة، رضخت القوى السياسية لمطلب حزب الله وأقرّ القانون الذي أراده، وجرت الانتخابات وفقاً له، وأفرزت تراجعاً في أحجام خصومه وتحديداً الرئيس سعد الحريري وهو ما خطط له الحزب تماماً. لتنتقل الأزمة إلى مرحلة أخرى من التعطيل، وهي اشتراط حزب الله توزير ممثل من حلفائه النواب السنّة الذين فازوا في الانتخابات من حصة سعد الحريري، وأعلن أمين عام حزب الله صراحة أن الحكومة لن تتشكل ولو استغرق ذلك سنوات. مرة جديدة، رضخ الآخرون لاشتراطات الحزب، وهذه المرة كان التنازل من حصة حليفه رئيس الجمهورية.

اليوم، يتبنى حزب الله خطاباً إصلاحياً توافقياً، ويحثّ بقية الأطراف على المسارعة لحلّ الأزمات الكثيرة التي تعصف باللبنانيين، ويرفع لواء مكافحة الفساد ومسارب الهدر.الأرجح أنه غاب عن بال الحزب بتحمله وزر جزء أساسي من الأزمات، وأن الفساد ليس بالضرورة أن يكون سرقة أو رشوة أو نهباً... فربما يكون تعطيلاً لمصالح العباد وإخضاعهم وإلزامهم بما لايطيقون.

أوّاب إبراهيم