بقلم: أواب إبراهيم

يعيش فخامة رئيس الجمهورية وعائلته الكريمة وتياره الوطني الحر هذه الأيام أجواء إحياء ذكرى 7 آب 2001. بالعودة في الذاكرة 17 عاماً إلى الوراء، يومها كان فخامة الرئيس ما زال مُبعداً في باريس، في الوقت الذي تعرض فيه مئات الشبان المؤيدين له للضرب والسحل والاعتقال من الأجهزة الأمنية اللبنانية التي كانت تأتمر بالوصاية السورية. حصل ذلك بعد يومين من مصالحة الجبل التي جمعت البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وشكلت مصالحة تاريخية بين المسيحيين والدروز. يومها قامت مخابرات الجيش اللبناني بمداهمة مقارّ حزبية تابعة للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، واعتقلت قرابة 200 من مناصري الحزبين بينهم قياديون. أثارت الاعتقالات التعسفيّة غضب الشارع، المسيحي منه تحديداً، فدعت الأحزاب المسيحية ومعها النقابات المهنية التي تسيطر عليها إلى إضراب عام ووقفة احتجاجية أمام قصر العدل في بيروت. لبى الدعوة مئات الناشطين الذين لاقتهم عناصر أمنيّة بلباس مدني تابعة لمخابرات الجيش والأمن العام الذي كان يرأسه اللواء جميل السيد، فتمت تفرقة المعتصمين بالقوة والضرب والسحل والاعتقال.
خلال ذكرى إحياء 7 آب قبل أيام، قال رئيس التيار الوطني الحر صهر فخامة رئيس الجمهورية وزير الخارجية جبران باسيل إن ما حصل في ذلك اليوم حرّر لبنان من الوصاية السورية، واليوم سيقوم هو وتياره وعائلته الكريمة بتحرير لبنان من الفساد. يبدو معاليه واثقاً مما يقول، خاصة أنه خلال سبعة عشر عاماً، أمور كثيرة تغيرت، ومواقف كثيرة تبدلت، ومبادئ كثيرة تناقضت. 
بعد أحداث 7 آب اتهم العماد ميشال عون الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولا سيما مخابرات الجيش بالرضوخ للوصاية السورية وتنفيذ أوامرها. هذه الأجهزة ما زالت على حالها اليوم بعد وصول فخامته إلى قصر بعبدا. بل إن صغار الضباط الذين ضربوا وقمعوا وسحلوا مؤيّديه في الشارع باتوا اليوم كبار الضباط الذين يقودون الأجهزة الأمنية ويديرونها. بل إن أبرز رمز للنظام الأمني اللبناني السوري كان حينذاك هو المدير العام للأمن العام اللواء جميل السيد، الذي خلع اليوم بزته العسكرية ورفع النجوم عن كتفه وارتدى بذلة رسمية وربطة عنق، وبات عضواً في مجلس النواب، يجلس إلى جانب النائب العوني زياد أسود الذي كان أحد الذين سُحلوا في منطقة المتحف على أيدي عناصر الأمن العام.
الحرية هي المطلب الأساس الذي طالب به التيار الوطني الحر عام 2001 خلال مواجهة النظام الأمني. هذه الحرية التي ضحى من أجلها الكثيرون جرى الانقلاب عليها اليوم، بعدما بات عدواً للحرية وقامعاً لها وساعياً لكمّ الأفواه وإخراس المنتقدين، من خلال الدعاوى القضائية التي يقدمها كل حين رئيس التيار الوطني الحر بحق كل من كتب تغريدة أو تعليقاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتقد أو يسخر.. فيتم استدعاء الناشطين للمثول أمام الأجهزة الأمنية، تماماً كما حصل قبل 17 عاماً مع ناشطي التيار الوطني الحر. يومها كانت جريمة ناشطي التيار هي معارضة النظام الأمني اللبناني السوري، بينما التهمة اليوم هي كتابة تعليقات معارضة للعهد ولصهر العهد وللعائلة الكريمة. القمع نفسه لكن العنوان اختلف.
المعركة الحقيقية التي خاضها التيار الوطني الحر قبل 17 عاماً كانت في مواجهة النظام الأمني اللبناني السوري. فطالب التيار ورئيسه حينذاك بانسحاب الجيش السوري من لبنان ووقف تدخله فيه. وعلى هذا الأساس كان لفخامة الرئيس جهد مشهود في التواصل مع مسؤولين في الإدارة الأميركية للتوصل إلى قانون محاسبة سوريا. النظام السوري نفسه الذي أراد فخامته محاسبته يرسل باتجاهه إشارات إيجابية، ويطالب صهر فخامته بأفضل العلاقات المميزة معه، كما يطالب بطرد النازحين السوريين الهاربين من بطش النظام بإعادتهم إلى كنفه ليتلقوا الظلم والبطش نفسه الذي تلقاه التيار الوطني الحر.
سبعة عشر عاماً كانت كافية ليتحول الأمل الذي أعطاه التيار الوطني الحر لجمهوره إلى خيبة أمل.