قاسم قصير

في تطور سياسي جديد في مسيرة حزب الله السياسية، أطلق الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله  قبل أسبوعين حملة شاملة ضد الفساد السياسي والمالي، سواء داخل الحزب أو على صعيد مؤسسات الدولة اللبنانية، فما هي الأسباب التي دفعت حزب الله والسيد نصر الله إلى إطلاق المعركة ضد الفساد في هذه المرحلة؟ وهل سينجح الحزب في هذه المعركة التي توازي معركة المقاومة؟
الأسباب وراء مواجهة الفساد
بداية ما هي الأسباب التي تقف وراء اطلاق الأمين العام لحزب الله المعركة ضد الفساد في هذه المرحلة؟
لقد أوضح نصر الله  خلال اطلاق البرنامج الانتخابي للحزب انه سيتولى شخصياً متابعة هذا الملف، ومما قاله: «صار لزاماً على الجميع أن يتعاطوا مع قضية مكافحة الهدر والفساد في جميع ادارات ومؤسسات الدولة وما يرتبط بالمال العام كله، باعتبار أن الهدر والفساد أحد أهم الأسباب التي تدفع البلد الى الكارثة، وقضية مكافحة  الفساد أولوية وطنية مطلقة، ونحن سنلتزم ونعمل على اساس هذه الأولوية في المرحلة المقبلة، وبالتعاون مع كل القوى السياسية والكتل النيابية والمسؤولين في الدولة، ومستندين الى إرادة الشعب اللبناني الجامعة في مواجهة الهدر والفساد وكل من يلتقي معنا وهم كثيرون». وأضاف نصر الله: «نحن نعرف أننا سنواجه صعوبات، ستحصل لنا عداوات جديدة، ونحن بغنى عن العداوات، لأن اليوم أميركا وبعض الدول الإقليمية تنفق أموالاً لتجلب لنا عداوات، ونعرف ان الدخول الى هذا الملف سيجلب حساسيات داخلية نحن بغنى عنها، لكن يبدو ان البلد وصل الى مرحلة لم يعد بإمكاننا ولا بإمكان غيرنا الصبر على معالجة هذا المرض الخطير الذي قد يودي بجسد الدولة والمجتمع».
وأعلن نصر الله: «نحن قررنا في قيادة حزب الله تشكيل اطار تنظيمي خاص، يعني مكتب، هيئة خاصة داخل الحزب، ولها مسؤول يعطي كامل وقته ومعه تشكيل من نواب كتلة الوفاء للمقاومة ومسؤولين ومختصين، تكون مهمتهم القيام بمواجهة الفساد من خلال التأكد من المعطيات، الآليات القانونية، والقضائية، الآليات السياسية، ومثل ما لدينا اطار يعمل في موضوع المقاومة، واطار يعمل في الموضوع الثقافي، سنكوّن اطاراً مهمته مواجهة الهدر والفساد، ونواجه من خلال وزرائنا في الحكومة، من خلال نوابنا في المجلس النيابي، من خلال قيادتنا السياسية من خلال علاقاتنا وتواصلنا».
هذا الموقف الذي اعلنه نصر الله، اضافة إلى ما تضمنه البرنامج الانتخابي لحزب الله، من نقاط تفصيلية تتعلق بالأوضاع الداخلية ودور الحزب في بناء الدولة في لبنان، سيؤدي بطبيعة الحال الى إعلاء الاهتمام بالشأن الداخلي اللبناني بموازاة الدور الذي يقوم به الحزب على صعيد المقاومة والتحدّيات الخارجية، وهذا يحصل لأول مرة منذ تأسيس الحزب الى اليوم.
وقد اختلفت القراءات السياسية في بيروت لبرنامج «حزب الله» الانتخابي بين من لمسَ تطوّراً في خطاب الحزب، ومَن وضَعه في السياق الانتخابي الذي ينتهي مفعوله مع انتهاء الانتخابات، وبين من رفضَ حتى التوقّف عنده من منطلق أنه لا يحقّ لطرف موجود في السلطة منذ 26 عاماً التكلّم عن مكافحة الفساد.
ومع ان السيد نصر الله  حرص في خطابه على القول: «ان هذا البرنامج الانتخابي ليس وثيقة سياسية جديدة»، لكن يمكن من تابع مسيرة الحزب طوال الست والثلاثين سنة الماضية ان يلحظ أننا أمام حزب سياسي جديد في الواقع اللبناني الداخلي.
هل ستنجح هذه المعركة؟
لقد قدّم «حزب الله» رؤيةً اقتصادية متكاملة، قد تكون الأولى من نوعها ببُعدٍ اقتصادي وإداري ومؤسساتي ومالي واجتماعي، وقد يكون من السهولة بمكان نسفُ كلّ برنامج الحزب من دون حتى قراءته، من منطلق أنّ أولوية «حزب الله» المتعلّقة بالمقاومة لن تتبدّل، وقد لا يكون الحزب متورّطاً مباشرةً بالفساد، إنّما هو سيغضّ النظرَ بالتأكيد عن قوى حليفة له وربّما بعيدة عنه متورّطة بالفساد حتى أخمصِ قدميها، إذا أيّدت أو غضَّت النظر عن مقاومته وسلاحه.
وقد تكون نيّات «حزب الله» في مكافحة الفساد سليمة وجدّية، ولكنّ المشكلة ليست على مستوى النيّات، بل في مستوى قدرته على ترجمة نيّاته، إلّا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتمكّن «حزب الله» من أن يتحوّل إلى رأس حربة في مكافحة الفساد؟
ما طرحه السيد نصر الله في مواقفه وما تضمنه برنامج الحزب من نقاط تفصيلية حول الشأن الداخلي سيضعه في مواجهة مع حلفائه قبل خصومه، لذا لن تكون المهمة سهلة، وقد تجعل الحزب أمام خيار من اثنين: إما خسارة الحلفاء الذين لن يسيروا معه، أو فقدان ثقة جمهوره به، وهذا ستكون له انعكاسات خطيرة على موقعه ودوره السياسي والشعبي والمقاوم في المستقبل.
فإذا كان انخراط «حزب الله» في الحياة السياسية هو نقطة التحوّلِ الأولى في مسيرته من ثورةٍ رفضية للنظام اللبناني بتكوينه ودوره، فإنّ برنامجه الانتخابي هو نقطة تحوّله الثانية التي فرضَتها الوقائع والحاجة، وهذا جزء من مسار لبنَنةٍ قد يصلُ بعد سنوات أو عقود، وربّما لا يصل الى نهايته الطبيعية، ولكن الأكيد أنّ الحزب يشهد تحوّلاً بطيئاً لمزيد من الاندماج بالواقع اللبناني.
انها معركة أخرى يتولاها حزب الله والسيد حسن نصر الله شخصياً،  فهل سينجح، «أم ان معركة مواجهة الفساد ستكون أقسى بكثير من معركة مواجهة الكيان الصهيوني»؟ كما أعلن نصر الله في خطاب له قبل نحو خمس عشرة سنة.