بسام غنوم

شكلت زيارة الرئيس ميشال عون للمملكة العربية السعودية، ودولة قطر علامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية بعد تطبيق «اتفاق الطائف».
فقد كان متعارفاً عليه أيام الوصاية السورية على لبنان أن تكون زيارة العاصمة السورية دمشق ممراً إلزامياً على الصعيد الخارجي قبل الانطلاق الى زيارات تشمل الدول العربية والأجنبية، بل إن الأمر كان أكثر من ذلك، إذ كان على رئيس الحكومة اللبنانية أن يبدأ زياراته الخارجية انطلاقاً من دمشق ومن ثم العودة إليها قبل العودة إلى بيروت، وهذا ما كان يحرص عليه الرئيس رفيق الحريري طوال فترة رئاسته للحكومة في فترة ما بعد تطبيق «اتفاق الطائف».
هذه الدلالة السياسية تعكس تحولاً على الصعيد اللبناني الداخلي ستكون له آثاره المستقبلية على مجمل الوضع اللبناني الذي يعاني انقساماً كبيراً بين ما يسمى «محور المقاومة والممانعة» في لبنان الذي يقوده «حزب الله»، وما يطلق على نفسه «تيار الاعتدال اللبناني» الذي يحمل رايته «تيار المستقبل»، وبقايا فريق 14 آذار.
في ظل هذا الواقع المستجد على الساحة اللبنانية، بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، هل يشهد لبنان تحولاً في سياسته الداخلية والخارجية، أم ان هناك من ينتظر ما ستؤول إليه الأمور ي سوريا حتى يبني على الشيء مقتضاه؟
البداية من زيارة الرئيس عون للسعودية وقطر، التي حملت شعار طيّ صفحة الجفاء وإعادة الزخم الى العلاقات مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. فقد أكد الرئيس عون من الرياض أن العلاقات اللبنانية السعودية تأثرت بالأحداث التي جرت في الدول العربية، ووقعت بعض الشوائب غير الواضحة بين البلدين، «وأنا اليوم هنا لأبدّد الالتباسات التي حصلت حاملاً المودة والصداقة للشعب السعودي».
ويعني هذا الموقف للرئيس عون أن الأولوية السياسية بالنسبة إلى العهد الجديد هي فتح صفحة جديدة مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وهذا له دلالاته على الصعيد الداخلي اللبناني. فعلى خلاف ما كان سابقاً في فترة ما بعد تطبيق «اتفاق الطائف»، كانت زيارة دمشق لها الأولوية، وكان ذلك يعكس حجم النفوذ السوري في لبنان، ويجعل من الرئيس اللبناني مجرد تابع للسياسة السورية في لبنان والمنطقة.
لكن بعد الأحداث القائمة في سوريا، التي ما زالت مستمرة حتى الساعة، ورغم أن العماد عون جاء رئيساً للجمهورية بفعل ضغوط «حزب الله»، فإن قيامه بزيارة السعودية وقطر أولاً يعكس حجم التحول السياسي الذي يعيشه لبنان حالياً. فالرئيس عون لم يعد مقيّداً مثل باقي الرؤساء السابقين بالسياسة السورية في لبنان والمنطقة، وله مطلق الحرية في تحالفاته وخياراته السياسية، وهذا الأمر إن ترسخ لاحقاً في المواقف والاتصالات والزيارات التي سيقوم بها العماد عون للدول العربية والأجنبية، فإنه سيعني تحرراً للبنان ما بعد «الطائف» من السياسة السورية، ومن الوصاية السورية على لبنان.
يقول البعض إن العماد عون قد يقوم بزيارة لاحقة لدمشق ويلتقي رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويمكن أن يقوم أيضاً بزيارة لطهران ويلتقي المرشد خامنئي، وهذا الكلام صحيح، لكن بعد زيارة الرئيس عون  الخارجية الأولى للسعودية وقطر اللتين تطالبان بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وتدعمان الثورة في سوريا والمعارضة السورية، فإن ذلك يؤكد أن عهداً جديداً بدأ يعيشه لبنان داخلياً وخارجياً لأول مرة خلال فترة ما بعد «اتفاق الطائف».
لكن ماذا عن موقف «حزب الله» وإيران من السياسة الجديدة التي يتبعها العماد عون، القائمة على «الابتعاد عن الصراعات الإقليمية واحترام ميثاق جامعة الدول العربية» كما جاء في البيان الوزاري للحكومة؟
في هذا الإطار يمكن النظر إلى الأمور من منظارين: داخلي وخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، يعيش لبنان في وضع اقتصادي صعب، والركود الاقتصادي يضرب مختلف القطاعات الاقتصادية ولا سيما القطاعان الصناعي والزراعي، ويعاني القطاع العقاري من الجمود كذلك.
أما القطاع السياحي فحدث ولا حرج، وهو الذي يعاني منه لبنان بسبب غياب الرعايا الخليجيين الممنوعين من زيارة لبنان بقرار من مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن هناك بعض الحركة في القطاع السياحي من الرعايا العراقيين والسوريين وبعض الإيرانيين، إلا أن ذلك لم يشكل بديلاً من السائح الخليجي للبنان.
وإذا أضفنا الى ذلك غياب أو تراجع الاستثمارات الخليجية في لبنان، فإن ذلك يعني ان الوضع الاقتصادي مع دول الخليج العربي فرض نفسه على كل القوى السياسية بما فيها «حزب الله» الذي لم يستطع بالشراكة مع إيران ايجاد البديل الاقتصادي للبنان بعيداً عن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
لذلك، تعامل «حزب الله» بواقعية مع زيارة الرئيس عون للسعودية وقطر على أمل تحسن الأوضاع الاقتصادية في لبنان بما يخدم مشروعه السياسي لاحقاً في لبنان، وأيضاً في المنطقة حيث يأمل «حزب الله» وإيران نجاح مشروعهما السياسي والعسكري في سوريا على حساب الشعب السوري والدول العربية والإسلامية الداعمة للثورة السورية، وعند ذلك قد ينقلب «حزب الله» على سياسات العهد الجديد برئاسة الرئيس عون ويعمل على فرض هيمنته السياسية والعسكرية على لبنان واللبنانيين.
باختصار، زيارة الرئيس عون للسعودية وقطر فرصة للبنان واللبنانيين للتحرر من ربقة وصاية ما يسمى «محور المقاومة والممانعة»، فهل يكون ذلك ممكناً في ظل الوجود الثقيل لسلاح «حزب الله»؟