العدد 1465 /9-6-2021

بدأت مظاهر الانهيار الشامل تطغى على مجمل القطاعات في لبنان حيث لا كهرباء ولاماء ولا محروقات ولا خدمات طبية ... الخ ، واخيرا بشر مدير عام هيئة أوجيروا عماد كريدية اللبنانيين بقرب انقطاع خدمات الأنترنت عن بعض المدن والقرى البعيدة عن محافطتي بيروت وجبل لبنان مع احتمال أنه في حال استمرار أزمة الكهرباء وانقطاع المحروقات أن يتم تقنين الأنترنت في بيروت وجبل لبنان ، وهو ما دفع باللبنانيين الى القول هل تريد الطبقة السياسية الحاكمة أن تعيد لبنان الى العصر الحجري.

وتأتي هذه التطورات على الصعيد المعيشي والخدماتي فيما تغرق الطبقة السياسية الحاكمة في خلافاتها حول الحصص والحقائب الوزارية وحول الحقوق الطائفية، فبعدما استبشر اللبنانيون خيرا بمبادرة الرئيس بري لحل أزمة تشكيل الحكومة العالقة عند مطالب الرئيس عون وجبران باسيل الطائفية ، يبدو أن مصير مبادرة الرئيس بري بحسب ما يجري تداوله من معطيات حول المفاوضات الجارية مع جبران باسيل، سيكون على شاكلة مصير المبادرة الفرنسية التي أصبحت في خبر كان ، وذلك بسبب تمسك الرئيس عون وجبران باسيل بما يسمى حق المسيحيين في تسمية ممثليهم في الحكومة ، وكأن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري هو رئيس يمثل طائفته ولا يمثل كل الطوائف اللبنانية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل يسقط لبنان في حالة الانهيار الشامل في حال استمر التعثر القائم في عملية تشكيل الحكومة ؟

كشف التقرير الصادر عن البنك الدولي حول الوضع في لبنان حجم المخاطر التي يمر بها لبنان حاليا والتي يمكن أن تتفاقم في المرحلة المقبلة اذا لم يتم تدارك الأمور في أسرع وقت ممكن ، و اشار تقرير مرصد الاقتصاد الصادر عن البنك الدولي، الى ان لبنان يعاني من كساد اقتصادي حاد ومزمن، ومن المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، ويقدر البنك الدولي أن أكثر من نصف اللبنانيين المقيمين فقراء، أي نحو 2.365 مليون لبناني، من بينهم 25% دون خط الفقر المدقع.

كما بلغت نسبة البطالة 35%، أي نحو 480 ألفا، وهناك نحو 300 ألف يعملون بصورة متقطعة في مهن غير دائمة ولا تشكل استمرارية، إلى جانب حرمان نحو 45% من اللبنانيين من الرعاية الصحية، وفق "الدولية للمعلومات" ، وتخلص "الدولية للمعلومات" إلى أن وجود نحو مليون لبناني لديهم قدرة شرائية عالية ودخل مرتفع بالدولار (نسبة الـ5% من اللبنانيين الأثرياء بالإضافة إلى 850 ألف لبناني يتلقون تحويلات بالعملات الأجنبية من الخارج) يعطي مظاهر رفاه غير واقعية، و"لا يلغي حقيقة أن هناك نحو 3 ملايين لبناني مقيم يعيشون أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة".

هذا الواقع الذي يعيشه غالبية الشعب اللبناني مرجح الى التفاقم في الأيام وليس الشهور المقبلة حيث أن انقطاع الكهرباء والمحروقات والدواء وكذلك المياه عن معظم اللبنانيين وحتى خدمات الأنترنت لاحقا كما قال مدير عام هيئة أوجيروا عماد كريدية ، سيجعل الوضع في لبنان في فصل الصيف كأنه جهنم بكل مافي الكلمة من معنى كما بشرنا الرئيس ميشال عون قبل عدة أشهر، حيث سيعجز من يملك المال من اللبنانيين فضلا عن بقية اللبنانيين الذين لا يملكون مالا عن توفير الكهرباء والماء والدواء والبنزين...الخ، وبذلك تصبح الأزمة شاملة لكل اللبنانيين الذين يملكون مالا والذين لا يملكونه ، وللأسف فكل ذلك يجري والطبقة السياسية مازالت تمارس سياسة عض الأصابع أو حافة الهاوية من أجل المحافظة على مكاسبها السياسية والطائفية فيما البلد ينهار بكل ما في الكلمة من معنى وكأن ما يجري لاعلاقة له بلبنان واللبنانيين، وقد أشار تقرير البنك الدولي الى هذا الواقع فقال ان "استجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات على صعيد السياسات العامة كانت غير كافية إلى حد كبير. ولا يعود ذلك إلى الثغرات على مستوى المعرفة والمشورة الجيدة، بقدر ما يعود إلى: غياب توافق سياسي بشأن المبادرات الفعّالة في مجال السياسات؛ ووجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس، أفاد أعداداً قليلة لفترة طويلة. ونظراً لتاريخه المحفوف بحرب أهلية طويلة وصراعات متعددة - يُعرّف البنك الدولي لبنان على أنه يقع في نطاق البلدان التي تشهد هشاشة وصراع وعنف- ثمة حذرٍ متنامٍ من المحفزات المحتملة لنشوب اضطرابات اجتماعية. فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتنامية الخطورة تهدّد بقصور النظام الوطني بما لذلك من آثار إقليمية، وربما عالمية.

بالخلاصة لبنان يغرق في أخطر ازمة سياسية واقتصادية كما جاء في تقرير البنك الدولي "ومن المُرجّح أن تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوىالعالم منذ منتصف القرن التاسع عشر" ، فهل يبادر المسؤولون الى أنقاذ لبنان قبل فوات الآوان ام يسقط لبنان واللبنانيون في جحيم الفوضى الشاملة ؟

بسام غنوم