بسام غنوم

طغت التطورات الإقليمية في المنطقة على الهمّ الانتخابي الداخلي بعد إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة (أف 16) إسرائيلية وما تبع ذلك من غارات لطيران العدوّ الصهيوني على قواعد ومراكز عسكرية في سورية وصفت بأنها الأعنف والأكبر منذ عام 1982، وهو ما ترك دلالات واضحة على خطورة ما جرى في الأجواء السورية، خصوصاً أن العدوّ الصهيوني ربط التصعيد الأخير بالوجود الإيراني في سوريا، وهذا يعني احتمال انسحاب التصعيد على الوضع في لبنان الذي استقبل نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد الذي حمل ملفات عدة، من بينها النزاع الحدودي البري والبحري للبنان مع العدوّ الصهيوني، وموضوع سلاح «حزب الله» الذي يريد الجانب الأميركي وضعه على لائحة البحث، لأنه بحسب الأميركيين يتعارض مع القرارات الدولية، وخصوصاً القرارين 1701 و1559.
هذه الأجواء الإقليمية الضاغطة دفعت الرؤساء الثلاثة ميشال عون، نبيه بري وسعد الحريري الى التحرك على أكثر من صعيد من لتجنيب لبنان أية آثار سلبية لانفجار الوضع بين إيران وسوريا والعدوّ الصهيوني، وفي نفس الوقت لتوجيه رسالة الى المجتمع الدولي والإدارة الأميركية بأن لبنان غير معني بالتصعيد القائم في المنطقة، لكنه موحَّد في مواجهة أية تهديدات إسرائيلية له، وهو ما عبَّر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري بكل صراحة ووضوح بعد الاجتماع الرئاسي الثلاثي في قصر بعبدا فقال: «عرضنا التحديات التي نواجهها، وتناولنا زيارة ديفيد ساترفيلد للبنان، وسنبقى على تشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، كي يكون موقفنا موحداً ووطنياً في ما خصّ أي تعديات على لبنان. هذا قرار اتخذناه في المجلس الأعلى للدفاع ومجلس الوزراء، واتجاهنا أن يكون موقفنا موحداً إزاء أي تعديات إسرائيلية على لبنان».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ينعكس التهديد الإسرائيلي لإيران في سوريا على لبنان في ظل الاتهامات الأميركية والإسرائيلية لـ«حزب الله» بإنشاء مصانع للصواريخ الإيرانية في لبنان؟
بعد إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة الـ«أف 16» الإسرائيلية وما تبعه من غارات للطيران الصهيوني على 12 موقعاً للجيش السوري ومواقع عسكرية أخرى قيل إنها للحرس الثوري الإيراني، ووُصفت بأنها الأعنف والأكبر منذ عام 1982، ارتفعت حدة الخطاب بين إيران والعدوّ الصهيوني الى مستويات مرتفعة، حيث توعد وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس «إيران بدرس لن تنساه أبداً» وشدد على أن قواعد اللعبة لم ولن تتغير بعد حادث تحطم المقاتلة الإسرائيلية، متوعداً بأن بلاده ستستمر في الحفاظ على تفوقها الجوي في المنطقة.
بالمقابل، حذّر مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، إسرائيل «من تكرار اعتداءاتها على سوريا، لأن ذلك سيعطي الحق للدول في الدفاع عن سيادتها»، وأضاف أن «أمن لبنان من أمن سوريا»، وهو ما ترك انطباعات بأن أي تصعيد إسرائيلي جديد في المنطقة يستهدف الوجود الإيراني والميليشيات التابعة له في سوريا سيمتد الى لبنان.
هذه الأجواء التصعيدية بين إيران والعدوّ الصهيوني التي وضعت الأمور على حافة الهاوية في المنطقة كانت وراء الاجتماع الرئاسي للرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا، وذلك من أجل تأكيد الأمور الآتية:
- إن لبنان غير معني بالتصعيد القائم بين إيران والعدوّ الصهيوني في سوريا والمنطقة، ومع ذلك فإن «موقفنا يكون موحداً إزاء أي تعديات إسرائيلية على لبنان» بحسب البيان الصادر بعد الاجتماع الرئاسي الذي تلاه الرئيس سعد الحريري.
- الخلاف اللبناني مع العدوّ الصهيوني في الوقت الحالي منحصر بموضوع الجدار الذي تبنيه إسرائيل على الحدود مع لبنان، وهذا الجدار لا يعترض عليه لبنان، لكنه يعترض على شموله 13 نقطة على الخط الأزرق يعتبرها لبنان أراضي لبنانية، وهناك أيضاً خلاف على الحدود البحرية في ما يتعلق تحديداً بالبلوك 9 الذي تدعي إسرائيلي ملكيتها المشتركة فيه، وقد أعلن الرئيس عون ان «لبنان اتخذ قراراً بالدفاع عن أرضه في حال حصول اعتداء إسرائيلي عليها أو على حقوقه في النفط»، لكنه استبعد أن «تقدم إسرائيل على تنفيذ تهديداتها. نحن طرحنا حلاً، هناك نقاط حدودية متنازع عليها مع إسرائيل، فلنحل النزاع حول هذه النقاط أولاً، لأنه لا يمكن إسرائيل أن تبني جداراً في أراضينا».
واضح أن الموقف اللبناني الرسمي يريد ان ينأى بنفسه عن الصراع الإيراني - الإسرائيلي في المنطقة، لكن ماذا عن الموقف الأميركي؟
نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد الذي زار لبنان قبل زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون كان يحمل عدة ملفات، منها ما هو مرتبط بالنزاع الحدودي البري بين لبنان والعدوّ الصهيوني، ومنها ما له علاقة بموضوع الخلاف النفطي حول البلوك 9، وكلا الملفين لا يرى الأميركيون أن فيهما مشكلة بحسب ديفيد ساترفيلد، بل المشكلة الأهم هي موضوع سلاح «حزب الله» الذي تطور الموقف الأميركي منه بعد الحديث عن إنشاء مصانع للصواريخ الإيرانية في لبنان، وهو ما يعتبره الأميركيون خطاً أحمر لأنه يهدد أمن «إسرائيل» أولاً، ويتعارض مع القرارات الدولية، خصوصاً القرارين 1701 و1559 ثانياً.
وهذا الموقف الأميركي من سلاح «حزب الله» هو الذي يربك الرؤساء اللبنانيين الثلاثة، خصوصاً أنه يأتي في ظل العقوبات الأميركية على «حزب الله» وعلى الشخصيات والمؤسسات والشركات المؤيدة له، والتي كانت موضع بحث قبل ذلك أثناء زيارة مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة الإرهاب مارشال بيلغنسلي للبنان في شهر كانون الثاني الماضي، ما يدل على أن الإدارة الأميركية جادة في متابعة كل ما يتعلق بـ«حزب الله» في لبنان، سواء كان ذلك يتعلق بمحاصرته مالياً أو بالعمل على إنهاء ملف سلاحه بعيداً عن سلطة الدولة اللبنانية.
باختصار، الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل وجود إدارة الرئيس ترامب المنسجمة انسجاماً كاملاً مع مواقف العدوّ الصهيوني ومطالبه، ولا أحد يستطيع ضبط الأمور إذا انفجر الوضع في المنطقة.}