بسام غنوم

انتهت الانتخابات النيابية الأكثر إثارة للجدل في تاريخ لبنان، التي جرت على أساس القانون النسبي مع الصوت التفضيلي.
ومع انتهاء الانتخابات، لا بدّ من التوقف أولاً عند نتائجها العامة، ومن ثم عند بعض نتائجها الخاصة، ولا سيما نتيجة دائرة بيروت الثانية التي كان الصراع فيها محتدماً بين تيار المستقبل ولائحة «وحدة بيروت» التي تضم تحالف «حزب الله» وحركة أمل وجماعة الأحباش.
بالنسبة إلى النتائج العامة للانتخابات في لبنان فهذه الانتخابات لم تحمل تغييراً على مستوى القوى السياسية الكبرى الممسكة بالقرار السياسي في البلد.
فعلى الصعيد المسيحي توزعت المقاعد بصورة رئيسية بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية الذي ضاعف كتلته النيابية مقارنة بانتخابات عام 2009، وتمثل حزب الكتائب وتيار المردة وبعض المستقلين.
أما على الصعيد الإسلامي العام، فالثنائي الشيعي استأثر بمقاعد النواب الشيعية ما عدا مقعد جبيل، والنائب وليد جنبلاط عاد بكتلة وازنة مع نفس الحضور للنائب طلال ارسلان، وأما التغيير الأكبر فهو في مقاعد النواب السنّة الذين توزعوا بين كتلة من 18 نائباً لتيار المستقبل و10 نواب معارضين، وبهذا يكون التغيير الكبير على الصعيد العام هو في الإطار النيابي السنّي.
أما على الصعيد الخاص لنتائج الانتخابات النيابية، فيمكن الوقوف عند نتائج دائرة بيروت الثانية التي كانت المنافسة فيها بين تيار المستقبل الذي رفع شعار الدفاع عن عروبة بيروت في وجه «ولاية الفقيه السياسية» كما كان يردد الوزير نهاد المشنوق والتي بحسب تيار المستقبل تريد جعل بيروت «فارسية».
أما تحالف «حزب الله» - حركة أمل، فقد كان يعتبر أن الهدف من معركة بيروت هو التأكيد أن بيروت لكل لبنان وتختصر كل لبنان، و«ستبقى عاصمة للمقاومة» كما قال السيد حسن نصر الله.
هذا الخطاب السياسي المتناقض بين طرفي المواجهة الذي اعتمد على الشعارات الغرائزية والطائفية والمذهبية فعل فعله على مستوى نتائج الانتخابات وخصوصاً لمصلحة لائحة «حزب الله» - أمل.
فقد أسهم خطاب تيار المستقبل كما قال السيد نصر الله في حماسة واندفاع الناخبين الشيعة وخصوصاً في دائرة بعلبك - الهرمل، ودائرة بيروت الثانية حيث وصلت نسبة التصويت في دائرة بعلبك - الهرمل الى ما يقارب الـ62٪ مقارنة مع 50٪ في عام 2009.
وأما في بيروت فقد حصلت لائحة «حزب الله» على 45 ألف صوت مقارنة بـ60 ألف صوت للائحة المستقبل، وهذه النتيجة تؤكد ان الخطاب المذهبي والغرائزي الذي اعتمده تيار المستقبل في بيروت تحديداً ارتد عليه سلباً حيث حصل المستقبل على 5 مقاعد ومعارضوه على خمسة مقاعد ومقعد للحزب التقدمي الاشتراكي.
لكن ماذا عن النتائج السياسية لانتخابات دائرة بيروت الثانية؟
النتيجة الأولى هي انتهاء حصرية تمثيل أهالي بيروت من قبل تيار المستقبل وقد أكد أحد أركان تيار المستقبل أن «أهالي بيروت تركوا المدينة لـ«حزب الله». وغلب العقل الخدماتي على الاستراتيجية السياسية، وليس سهلاً على المستقبل أن يفقد نصف المدينة. وأضاف: السؤال الذي يجب ان يبحث عنه الحريري هو: لماذا نحو 59٪ من البيروتيين قاطعوا الانتخابات؟
خيبة الأمل الحريرية في دائرة بيروت الثانية تقابلها نشوة الانتصار الانتخابي والسياسي لدى حزب الله.
فقد اعتبر السيد حسن نصر الله في خطابه بعد إعلان نتائج الانتخابات أن النتائج «تعطي الهوية الحقيقية لبيروت» وأضاف: «عندما نرى نتائج الانتخابات والقوى والشخصيات والتنوع، فهذا يؤكد أن بيروت لكل لبنان وتختصر كل لبنان وستتأكد هويتها المقاومة، وأنها كانت وستبقى عاصمة للمقاومة».
هذه الخلاصة السياسية لمعركة بيروت الانتخابية التي أكد فيها السيد نصر الله انتصار التنوع قابلها لهجة تخوينية تجاه اللوائح الأخرى التي ناقشت لائحة تيار المستقبل حيث اعتبر الرئيس سعد الحريري أن «معركتنا كانت على جبهات عدة: جبهة الدفاع عن وجودنا السياسي، وجبهة التصدي لتفتيت القرار السياسي، وجبهة اللوائح المفبركة، التي تأكد بالوقائع والأرقام أنها كانت أداة في يد الأخصام المعروفين لتيار المستقبل».
وبذلك يكون تيار المستقبل مستمراً في خطابه التخويني تجاه البيئة السنّية المعارضة له، ولم يدرك انه بخطابه الانتخابي القائم على الغرائزية والشعبوية والمذهبية هزم نفسه في بيروت.
تبقى نقطة أخيرة بالنسبة إلى نتائج دائرة بيروت الثانية هي حالة الإحباط وخيبة الأمل التي أصابت الكثير من أهالي بيروت والتي زاد من حدتها المواكب السيارة لمناصري «حزب الله» وحركة أمل والأحباش في شوارع بيروت التي شهدت العديد من الاشكالات والمواجهات.
باختصار، نتائج الانتخابات عامة وفي دائرة بيروت الثانية خاصة سيكون لها ما بعدها في رئاسة الحكومة وفي إدارة الدولة. فهل دخل لبنان عصراً آخر بعد هذه الانتخابات؟}