العدد 1428 / 16-9-2020
بسام غنوم

"عادت حليمة لعادتها القديمة"، هكذا يمكن اختصار المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف مصطفى أديب، فبعد ما يقارب الخمسة عشر يوماً التي حددها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون كمهلة امام القوى السياسية اللبنانية كافة من أجل التوافق على حكومة جديدة تنهض بلبنان سياسياً واقتصادياً وتمنع سقوطه الى مصاف الدول الفاشلة، وبعد تأكيد هذه القوى عزمها على تسهيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، واعلانها في المشاورات التي اجراها الرئيس المكلف مصطفى أديب أنها لا تريد شيئاً لنفسها، تبدلت المعطيات فجأة مع انتهاء مهلة تشكيل الحكومة الجديدة، وعادت المطالب اياها لهذا الفريق او ذاك، فالرئيس عون أكد امام زواره انه لم يتنازل عن حصته الوزارية في التشكيلة الحكومية، والثنائي الشيعي الذي تعهد للرئيس ماكرون بتقديم كل التسهيلات لولادة حكومة فاعلة في اسرع وقت ممكن، عاد يطالب بالثلث المعطل طوراً وبحقيبة وزارة المالية طوراً آخر تحت عنوان الميثاقية وإلا فهو لن يشارك في الحكومة الجديدة ولن يعطيها الثقة، وترافق هذا الموقف مع تحركات محدودة في منطقة دوار المطار من قبل أنصار الرئيس بري في إشارة لافتة الى إمكانية تحريك الشارع الشيعي في حال لم تلب مطالب الثنائي الشيعي في الحكومة الجديدة ولا سيما في حقيبة المالية، وفي إطار التحركات المعترضة على تشكيل الحكومة ايضاً اطلق انصار التيار الوطني الحر من مركزهم الرئيسي في ميرنا الشالوحي النار في الهواء ضد مسيرة سيارة لانصار حزب القوات اللبنانية، وهو ما خلق توتراُ في المناطق المسيحية ذكر المسيحيين بالخلافات السابقة بين العونيين والقوات، وكان باسيل قد مهد لتحركات انصاره بالشارع في حال تم تجاهل مطالبه بالقول : "طالما هناك تيار وطني حر، الرئيس عون لا يكسر... وطالما في قبضايات وبنفس الوقت أوادم بالتيار، التيار ما بيصير ميليشيا، بس ما بينكسر للميليشيا و بينتصر عليها".

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستحبط مناورات الفريق السياسي الحاكم مبادرة ماكرون الإنقاذية ام أن ما يجري مجرد مناورات لتحسين الشروط والمواقع في الحكومة الجديدة؟

يبدو من الجو العام المحيط بعملية تشكيل الحكومة الجديدة أن الفريق السياسي الحاكم والمؤلف من الرئيس عون و الثنائي الشيعي انه يحاول عبر المناورات السياسية الجارية سواء عبر إصرار الرئيس بري على حقيبة المالية، وإلا فهو و "حزب الله" لن يشاركوا في الحكومة ولن يعطوها الثقة، او عبر المشاورات النيابية الجديدة التي الرئيس عون من خلال جولة مشاورات جديدة مع الكتل النيابية تحت عنوان حلحلة العقد التي تعيق عملية تشكيل الحكومة الجديدة ، وفي ذلك مخالفة صريحة لنص المادة 64 من الدستور (الفقرة الثانية) التي تنص في معرض تحديد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء على أن: "يجري (رئيس المجلس) الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها .. الخ" ، وهو ما اثار ردود فعل معارضة من "اللقاء الديموقراطي" و "تكتل الجمهورية القوية" وغيرهم من القوى السياسية التي رفضت المشاركة بهذه المشاورات لأنها مخالفة للدستور أولاً، ولأنها اعطت رأيها في المشاورات النيابية التي جرت لاختيار الرئيس المكلف ثانياً، وبالتالي فإن ما يقوم به الفريق الحاكم هو محاولة لوضع العصي في دواليب الرئيس المكلف، وايضاً لتطويعه لمطالب هذا الفريق ثانياً.

لكن هل ستحبط هذه المناورات مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون؟

رغم كل المناورات التي يقوم بها الفريق الحاكم سواء على الحرتقات السياسية المعروفة او عبر تحركات مشبوهة لانصاره على الأرض، فإن الكلفة السياسية العالية و الغالية لإحباط مبادرة ماكرون لا يستطيع هذا الفريق تحملها سياسيا و اقتصاديا.

فهذا الفريق بأمس الحاجة الى الحضن الفرنسي في هذا الظرف السياسي العصيب في المنطقة وخصوصاً في ظل عملية التطبيع مع العدو الصهيوني التي تقودها اميركا، والوضع الاقتصادي في لبنان وصل الى حافة الهاوية وإحباط مبادرة ماكرون سيدمر لبنان اقتصاديا، ولذلك ما زالت امام الرئيس المكلف مصطفى أديب فرصة قوية لتشكيل حكومة اختصاصيين رغم كل ما يجري من مناورات.

فهل سيكون لبنان على موعد قريب مع الأمل بحكومته الجديدة ام أن الخراب سيعم لبنان؟