العدد 1470 /14-7-2021

حالة الانهيار التي يعيشها لبنان وعلى كل المستويات اصبحت حدثا لا يقلق اللبنانيين فحسب بل يشغل بال المجتمع الدولي الذي يرى ان ما يجري في لبنان حاليا انما هو اولا واخيرا بسبب حالة الفساد المستشري في اوساط الطبقة السياسية اللبنانية التي اوصلت الامور الى ما هي عليه الآن بسبب فسادها وحرصها على حماية مصالحها ولو كان ذلك على حساب مستقبل لبنان وحياة اللبنانيين.

وقد شهد اللبنانيون في الاسبوع الماضي السجال الذي دار بين رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب والسفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو التي قالت للرئيس دياب أن "الانهيار نتيجة متعمدة لسوء الإدارة والتقاعس، وليس نتيجة حصار خارجي، بل جميعكم تتحملون المسؤولية، كل الطبقة السياسية المتعاقبة". وجاء موقف السفيرة الفرنسية بعد أن ارجع الرئيس حسان دياب حالة الانهيار الاقتصادي والمعاناة التي يعيشها اللبنانيون خلال لقاء مع عدد من السفراء الاجانب الى الضغوط التي تمارس على لبنان من أجل تشكيل حكومة وفق ما تطالب الدول الغربية فقال "لقد طال انتظار تشكيل الحكومة، واللبنانيون صبروا وتحملوا أعباء هذا الانتظار الطويل، لكن صبرهم بدأ ينفد مع تعاظم الأزمات والمعاناة، وأصبح ربط مساعدة لبنان بتشكيل الحكومة يشكل خطرا على حياة اللبنانيين وعلى الكيان اللبناني، لأن الضغوط التي تمارس والحصار المطبق على لبنان لا يؤثر على الفاسدين، بل يدفع الشعب اللبناني وحده ثمنا باهظا يهدد حياته ومستقبله"،

وهذا الموقف للرئيس دياب من الوضع في لبنان واسبابه ، ورد السفيرة الفرنسية عليه يكشف غياب الرؤية الحكومية الصحيحة لمعاناة اللبنانيين في هذه الايام التي وصلت الى درجة موت الاطفال على ابواب المستشفيات بسبب فقدان الدواء اولا ، واستقالة حكومة تصريف الاعمال ومن خلفها القوى الممسكة بالقرار السياسي في البلد ثانيا عن القيام بواجباتها في التخفيف من معاناة اللبنانيين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : من يتحمل مسؤولية معاناة اللبنانيين من الانهيار الاقتصادي والصراع السياسي المتفاقم في البلد ؟

بحسب رؤية الفريق الممسك بالقرار السياسي والامني في البلد فان ما يجري في لبنان انما هو مؤامرة على المقاومة بهدف الضغط عليها وعلى البيئة الحاضنة لها من أجل الاستجابة للشروط الاميركية على لبنان سواء عبر تسليم سلاح "حزب الله" للدولة ، او عبر فرض تسوية على الحدود البحرية والبرية في الجنوب مع العدو الاسرائيلي ، وقد عبر عن هذا الموقف السيد حسن نصر الله في خطابه الآخير فقال "أن الهدف من الحصار الأمريكي هو إثارة الشعب اللبناني وبيئة المقاومة على المقاومة".

فهل ما يجري في لبنان حاليا انما هو فقط بسبب الحصار الأميركي على لبنان ؟

وفق رؤية حزب الله وفريقه السياسي فان معاناة اللبنانيين سببها الرئيسي الحصار الاميركي على لبنان بسبب سلاح المقاومة ، لكن ما هي مسؤولية الفريق السياسي الذي يمسك بالقرار في البلد عن هذه المعاناة التي يعيشها لبنان ، هل يستطيع هذا الفريق التنصل من كل مسؤولياته عبر القاءها على الحصار الاميركي على لبنان وكفى الله المؤمنيين القتال ، ام يجب ان يقوم بواجباته تجاه لبنان واللبنانيين سواء عبر قيام حكومة تصريف الاعمال بدورها المطلوب منها على صعيد تأمين الخدمات الاساسية من كهرباء وماء وغذاء ودواء ولو بالحد الادنى حتى يستطيع اللبنانيون الصمود في ظل هذه الازمات التي يرجع هذا الفريق اسبابها فقط الى الحصار الاميركي على لبنان؟

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان الاستمرار بسياسة النعامة اي دفن الرأس في الرمال وكأن الامور في البلد على ما يرام وعدم العمل على ايجاد حلول لمعاناة الناس ستدفع عاجلا ام أجلا الى الانفجار الاجتماعي والامني الذي قد يهدد بقاء الدولة وهو ما تحذر منه الدول كافة التي هبت لمساعدة الجيش اللبناني حتى لايتفكك بسبب حالة الانهيار المالي التي يعيشها لبنان ، وهذا النقطة بالذات يجري استغلالها من قبل المسؤوليين في الدولة من أجل فرض رؤيتهم السياسية في لبنان على كل اللبنانيين ، وهو ما عبر عنه رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب امام السفراء الغربيين بالقول أن "الاستمرار بحصار ومعاقبة اللبنانيين، سيدفع حكما لتغيير في التوجهات التاريخية لهذا البلد، وسيكتسب هذا التغيير مشروعية وطنية تتجاوز أي بعد سياسي، لأن لقمة العيش وحبة الدواء ومقومات الحياة لا تعرف هوية جغرافية أو سياسية، ولا تقيم وزنا للمحاور الغربية والشرقية والشمالية، الأهم بالنسبة للبنانيين أن ينكسر هذا الطوق الذي بدأ يخنقهم ويقطع الأوكسيجين عن وطنهم”.

وهذا الموقف للرئيس دياب بالتهديد بالتوجه شرقا اي ناحية الصين وغيرها من الدول سبقه اليه السيد حسن نصرالله في أكثر من خطاب ، فهل يراد ايصال الامور في لبنان الى واقع سياسي اقتصادي جديد بعيدا عن واقع اللبنانيين ومحيطهم العربي عبر الاستمرار في لعبة الانهيار الجارية في لبنان.

باختصار مايجري في لبنان حاليا خطر جدا وقد تكون له تداعيات شبيهة بما جرى في سورية وما يجري في العراق واليمن ، حمى الله لبنان.

بسام غنوم