وائل نجم - كاتب وباحث

 تفاعلت الاسبوع الفائت قضيتان في غاية الحساسية والدّقة، وقد يكون لأي منهما تأثيرات وتداعيات على الداخل اللبناني ونسيجه المجتمعي. 
القضية الاولى هي شروع الجيش في بناء جدار إسمنتي حول مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في الجنوب قرب مدينة صيدا، تحت عنوان منع ما يسمّى «الارهابيين» الموجودين في المخيم من تهديد المحيط، علماً أن العلاقات التي تربط المخيم بمحيطه علاقات ممتازة لا تشوبها اية شائية، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ يعتبر المخيم جزءاً من مدينة صيدا على وجه التحديد، وتعتبر صيدا بالنسبة إلى المخيم الحاضنة التي يجد فيها متنفسه، وأبناء المخيم يكادون يكونون أكثر حرصاً على المدينة ربما من أهلها، والتاريخ كان شاهداً وشهيداً على ذلك، وبالتالي هم يرفضون أن يشكل أحد في المخيم أي تهديد للجوار، أو أن يكون له أي تأثير سلبي على العلاقة معه، ولذلك كان العنوان الذي انطلق منه بناء الجدار غير مقنع لأحد في المخيم، أو حتى في المدينة والجوار على الإطلاق، بل على العكس أثار نوعاً من التوجّس والخوف والقلق من محاولات لعزل المخيم عن جواره، وتحويله إلى سجن كبير يتم حبس اللاجئين فيه كما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي. وهنا يسجل لقائد الجيش -كما أخبرني أحد الذين التقوه– أنه يرفض أن يسجل على نفسه أن ترفع صوره أو صور للجيش على الجدار الذي يبنى حول المخيم، كما ترفع صور رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي على جدار الفصل العنصري في القدس والضفة الغربية ويتم المقارنة أو المشابهة بينهما، وأكد أنه يرفض أن يسجل على نفسه هذا الأمر وينظر إليه على أنه من بنى جداراً للفصل العنصري. 
إذاً، القضية هي من تدبير من لا يريد للاجئين أن يكونوا عنصراً مساهماً بالاستقرار والتنمية والحركة الاقتصادية اليومية في لبنان، بانتظار عودتهم إلى أرضهم ومدنهم وقراهم في فلسطين، خاصة أن كل الفصائل الفلسطينية تتفق على مبدأ رفض التوطين، وتتمسك بحق العودة، كما تتمسك برفض التدخل في الشأن الداخلي اللبناني. فلماذا يصار إلى استهداف هؤلاء، بل استفزازهم من أجل شيطنتهم من ناحية، قد تكون مقدمة لضربهم أو ترحيلهم، أو تصفية قضيتهم من ناحية ثانية. والمفارقة أن كل القوى الصيداوية والوطنية رفضت بناء هذا الجدار والتعاطي مع اللاجئين الفلسطينين كما يتعاطى ويتعامل الاحتلال الاسرائيلي، إلا بعض القوى التي لم يسمع لها صوت في الحدث كما لو أنه لم يكن، وهو ما يرسم علامات تعجّب، فضلاً عن أنه يثير الريبة من هذا الاستهداف الذي قد يخفي مشاريع طموحة لا نعرف ماذا يريد أصحابها للبلد!!
أما القضية الثانية، فقد كانت تبلّغ إدارة مخيم اللاجئين السوريين في الريحانية في عكار قراراً بضرورة إخلاء المخيم خلال عشرة أيام من تاريخه. بمعنى آخر، تفكيك هذا المخيم الذي يضم عدداً من اللاجئين الذين يرعاهم ويشرف عليهم من كافة النواحي «اتحاد الجمعيات الاغاثية والتنموية»، ويكاد يكون المخيم الأكثر انضباطاً واستقراراً من بين كل المخيمات التي تضم لاجئين سوريين، حيث لم يسجل فيه أي حادثة أمنية، كذلك لم تُسجل أي حادثة أمنية تتصل بالموجودين فيه. وعند مراجعة المعنيين بإدارة المخيم لهذا الطلب تبـيّن أن الحكومة لا تعرف عنه شيئاً، وأن جهات كثيرة معنية بملف اللاجئين أيضاً لا تعرف عنه شيئاً، حتى أن جهات أمنية وعسكرية كانت معلوماتها عن المخيم غير وافية. وللعلم فإن تفكيك هذا المخيم وضرب البنية التحتية المجهزة فيه (ماء، صرف صحي، كهرباء...) يعتبر كارثة بالنسبة إلى اللاجئين الذين كانوا سيجدون أنفسهم أمام تهجير آخر ونزوح آخر في البلد، وبالطبع معاناة آخرى قد تكون أصعب. وقد تحرك المعنيون والحرصاء على استقرار وضع اللاجئين، على أكثر من مستوى من أجل صرف النظر عن مثل هذا القرار، والالتفات إلى ضرورة توفير المستلزمات التي يحتاجها اللاجئون قبل إصدار مثل هذه القرارات، والاسهام في استقرارهم، لأن ذلك يساعد على استقرار البلد بانتظار عودتهم إلى بلدانهم عندما تتوقف الحرب في سوريا. ولكن يبقى السؤال عن الغاية من استهداف اللاجئين على الرغم من استقرار وضعهم، إلا من ناحية توفير مستلزمات أفضل لحياتهم الكريمة (الحقوق الانسانية)، ولماذا استفزازهم وبالتالي تحويلهم إلى مشاريع توتر في المجتمع تجعلهم يفكرون في الانتقام أو تهدف إلى شيطنتهم، وبالتالي ربما تسهيل ضربهم أو ترحيلهم، ومن له مصلحة في ذلك؟
هل هي نزعة عنصرية تريد التعامل مع اللاجئين انطلاقاً من هذه الخلفية؟ أم أنها مشاريع طموحة تخشى من أن يشكل اللاجئون يوماً حجر عثرة يعرقل تحقق هذه المشاريع؟ الترجيحات في هذه الأيام تميل إلى التفسير الثاني، خاصة في زمن المشاريع الطموحة التي تتسابق من أجل التوسّع والنفوذ.