قاسم قصير

تشهد الساحة المسيحية اليوم صراعاً مفتوحاً، سواء على صعيد تشكيل الحكومة، أو في إطار التمهيد لمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة. فقد أدت الانتخابات النيابية الأخيرة إلى فرز خريطة جديدة للقوى والأحزاب المسيحية، حيث نجحت «القوات اللبنانية» في الحصول على 15 مقعداً نيابياً، ما جعلها القوة الثانية الأقوى بعد التيار الوطني الحر، فيما تراجعت حصة حزب الكتائب اللبنانية الى ثلاثة مقاعد، وتوزعت بقية المقاعد المسيحية على «تيار المردة» و«الحزب القومي السوري الاجتماعي»، وعدد من الشخصيات المستقلة أو الحليفة لحركة أمل وحزب الله والرئيس نجيب ميقاتي. والتغيير الحاصل في خريطة التمثيل النيابي المسيحي زاد من حجم الخلافات والتباينات بين القوى المسيحية، وخصوصاً على صعيد حصص هذه القوى في الحكومة الجديدة أو تحديد الطرف الأقوى سياسياً وشعبياً.
فما أبرز وجوه الصراع على الصعيد المسيحي اليوم؟ وما تأثير هذا الصراع على تشكيل الحكومة المقبلة ومعركة رئاسة الجمهورية؟
أشكال الصراع
بداية كيف برزت أشكال الصراع ووجوهه على الصعيد المسيحي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة؟
منذ اللحظة الأولى لانتهاء الانتخابات النيابية والتقدم الكبير على صعيد حصة «القوات اللبنانية»، برز التنافس المباشر بينها وبين بقية الأطراف المسيحية، ولا سيما التيار الوطني الحر. فقد عمد «التيار» إلى تجميع نوابه وحلفائه في تكتل جديد باسم «تكتل لبنان القوي» وضم 29 نائباً، رداً على حصول «القوات اللبنانية» على 15 مقعداً نيابياً، مع انه خرج عدد من أعضاء هذا التكتل لتشكيل كتلة خاصة بهم باسم «كتلة ضمانة الجبل» برئاسة النائب طلال ارسلان. وبالمقابل سمَّت القوات تكتلها «تكتل الجمهورية القوية». أما «تيار المردة»، فعمد إلى التنسيق مع عدد من الشخصيات الإسلامية والمسيحية لتشكيل تكتل موسع باسم «التكتل الوطني»، ضم سبعة نواب، فيما بقي عدد نواب تكتل حزب الكتائب (ثلاثة). وأما الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يضم ثلاثة نواب مسيحيين فهو يحرص على الهوية العلمانية القومية لتكتله ولا يدخل في الصراع المباشر على الصعيد المسيحي.
وإضافة إلى التسميات والتنافس في تشكيل التكتلات النيابية، فقد شهدنا معارك وسجالات إعلامية قاسية بين قادة ونواب ومسؤولي كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولا سيما عشية البدء بالاستشارات لتشكيل الحكومة، إذ اتهم مسؤولو «القوات اللبنانية» رئيس حزب التيار الوزير جبران باسيل بأنه يعمل من أجل عزل القوات أو إضعاف تمثيلها، فيما نفى باسيل هذه التهم وأكد ان كل فريق يتمثل بحسب دوره وموقعه.
وقد عمد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الى الحضور الى القصر الجمهوري على رأس كتلته النيابية للمشاركة في الاستشارات لتسمية رئيس الحكومة، وكان هذا الحدث غير المتعارف عليه محاولة لتأكيد حضور حزب القوات وإيجاد تواصل مباشر مع رئيس الجمهورية. كذلك أعلن نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان أن حصة القوات في الحكومة هي من حصة رئيس الجمهورية، وذلك لقطع الطريق أمام أخذ رئيس الجمهورية حصة حكومية تضاف الى حصة التيار، وللرد على المعلومات التي تتحدث عن عدم إعطاء القوات سوى ثلاث وزارات أساسية في الحكومة الجديدة.
وتشير بعض المعلومات الإعلامية الى «ان السعودية تضغط على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لتعزيز علاقته بالقوات اللبنانية على حساب العلاقة مع التيار، وان استقالة نادر الحريري كانت من ضمن الخطوات المطلوبة سعودياً من «تيار المستقبل»، لكون الأخير هو المنسق الأول مع التيار الوطني الحر».
بين معركة الحكومة ورئاسة الجمهورية
لكن ما تأثير الصراع بين الأطراف المسيحية على صعيد تشكيل الحكومة وكذلك معركة رئاسة الجمهورية المقبلة؟
اشتداد الصراع بين الأطراف والقوى المسيحية ترك أثره المباشر على استشارات تشكيل الحكومة، فـ«التيار الوطني الحر» وحلفاؤه يعملون للحصول على أكبر حصة حكومية، إضافة إلى حصة خاصة لرئيس الجمهورية، وبالمقابل تطالب «القوات اللبنانية» بأن يكون لها 4 وزارات، بينها وزارة سيادية، فيما طالب «التكتل الوطني» الذي يضم (تيار المردة، مع عدد من النواب) بوزيرين (مسلم ومسيحي)، وكل هذه المطالب تضع الرئيس المكلف سعد الحريري أمام مهمة صعبة في كيفية التوفيق بين هذه الأطراف، في ظل تخوف القوات من سعي التيار الوطني لعزلها أو إبعادها عن الحكومة بحجة عدم القدرة على الاستجابة لمطالبها. أما حزب الكتائب، فقد يعود إلى الحكومة الجديدة بعد ان تولى سابقاً قيادة المعارضة، ولم يحسم رئيس الحزب النائب سامي الجميّل موقفه النهائي من المشاركة بانتظار ما سيعرض عليه.
أما المعركة الأهم التي بدأت ملامحها خلال الانتخابات النيابية، فهي معركة رئاسة الجمهورية في ظل تنافس عدد من المرشحين الأساسيين في هذه المعركة ومنهم النائب السابق سليمان فرنجية، الوزير جبران باسيل، الدكتور سمير جعجع، النائب جان عبيد.
وقد يكون صحيحاً أن المجلس النيابي الحالي لن يتولى انتخاب الرئيس المقبل إذا أكمل الرئيس العماد ميشال عون عهده بالكامل، لكن تحديد حجم القوى المسيحية وسعي كل طرف لتشكيل تكتل واسع يساهم في دعمه للوصول إلى رئاسة الجمهورية، أدى الى ازدياد التنافس بين معظم الأطراف المسيحية.
وقد نجح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في اثبات ان القوة الشعبية والسياسية للقوات لم تعد محصورة في منطقة لبنانية، بل هي ممتدة الى كل المناطق. بالمقابل، يسعى الوزير جبران باسيل لإعادة ترتيب علاقاته مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل، في حين أن النائب السابق سليمان فرنجية يتحرك بهدوء لتعزيز علاقاته مع الأطراف الأساسية في الشمال وعلى الصعيد السياسي كي يكون المرشح الأقوى في الانتخابات الرئاسية المقبلة. كذلك إن عودة النائب جان عبيد الى البرلمان حليفاً للرئيس نجيب ميقاتي ستسهم في إعادة طرح اسمه مجدداً مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
إذن، الصراع على الصعيد المسيحي سيزداد في المرحلة المقبلة ان لجهة تشكيل الحكومة أو المعركة الرئاسية، والأيام المقبلة ستحدد قوة كل طرف سياسياً وشعبياً.}