بسام غنوم

أخذ النقاش في الموضوع المالي وما يرتبط به من إقرار لموازنة عام 2016 وملف النفط والغاز صدارة الاهتمامات السياسية، بعدمات أدرك الجميع أن الملفات السياسية الأخرى، ولا سيما تلك المتعلقة بملف الاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخاب، لا مجال للوصول إلى تفاهمات أو تسويات بشأنها في الوقت الحاضر، أولاً بسبب تمسك كل طرف بمواقفه من هذه الملفات، وثانياً لأن معالجة هذه الملفات مرتبط بالوضع في المنطقة، ولا سيما بالوضع في سوريا حيث الأمور ما زالت تراوح مكانها، وحيث بلغ تورط حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري مداه الأقصى.
والاهتمام بالوضع الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية له أسباب عدة منها أن الأزمة الاقتصادية بدأت ترخي بثقلها على عامة اللبنانيين ومن كل الفئات حيث تعاني كل القطاعات الاقتصادية من حالة الركود والتراجع الذي وصل إلى أكثر من 25 في المئة في مختلف القطاعات.
وهناك أيضاً العقوبات الأميركية على حزب الله والأشخاص والجهات المرتبطين به، وقد تركت تأثيرها المباشر في القطاع المصرفي وفي تصنيف لبنان الانتخابي الذي انخفض إلى -B، وهو ما دفع بعض المصارف إلى حماية أنفسها عبر تشديد الإجراءات المالية بالنسبة إلى المتعاملين معها خوفاً من أن تطاولها العقوبات الأميركية.
وبالإضافة إلى النقطتين السابقتين برزت إلى السطح قضية الخلاف مع دول الخليج العربي بسبب مواقف حزب الله من السعودية ودول الخليج، وهو ما انعكس سلباً على واقع المساعدات الخليجية إلى لبنان، وعلى علاقة لبنان مع دول الخليج سياسياً واقتصادياً، وهو ما أدى إلى تراجع أعداد السياح الخليجيين القادمين إلى لبنان، وإلى تهديد مصالح اللبنانيين العاملين في السعودية ودول الخليج العربي.
كل هذه الأسباب وغيرها دفعت الرئيس بري إلى إعادة تحريك ملف الغاز والنفط في لبنان. فهل يشكل ملف الغاز والنفط المدخل الصحيح لمعالجة مشكلات لبنان السياسية والاقتصادية، أم أن الحسابات الطائفية والسياسية سوف تفعل فعلها كما في الملفات الأخرى؟
في البداية يمكن القول إن ملف الغاز والنفط حُوِّلَ إلى قضية وطنية بامتياز، وكما قال الرئيس سلام: «فهذه ثروة طبيعية وطنية تحتاج قدرة وجهوزية عالية فنياً وتقنياً وإدارياً ومالياً لخوضها بخطى ثابتة، وبرؤية واضحة وليس مجتزأة».
هذه الرؤية لملف النفط والغاز تفترض أن القضية وطنية ويجب أن تكون بعيدة عن المساومات الطائفية والمذهبية.
لكن ما جرى بعد لقاء بري وباسيل قبل أسبوعين وإعلانهما أنهما اتفقا على الملف النفطي أثار التساؤلات، إن لم نقل الريبة والشك، في نفوس اللبنانيين عامة ورئيس الحكومة تمام سلام خاصة.
فالرئيس بري والوزير جبران باسيل تناولا الموضوع النفطي من الناحية الفنية والتقنية حيث اتفقا على إنهاء الخلاف بينهما حول البلوكات النفطية، فجرى التوافق على تلزيم البلوكات العشرة والبدء أولاً بالعمل في البلوكات الجنوبية بعد أن كان باسيل يطالب بتلزيم بلوكات الشمال أولاً، إذ لا مشكلات حولها مع العدوّ الإسرائيلي.
واللافت أن هذا التوافق المفاجئ على الغاز والنفط بين بري وباسيل، جاء في أعقاب الحديث عن ارتفاع حظوظ العماد عون الرئاسية، وأن السعودية وأميركا والاتحاد الأوروبي لا تمانع في انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وأن سعد الحريري يدرس الخطوات اللازمة لتمرير هذا الاستحقاق، سواء عبر تبني ترشيح عون أو عبر عدم المشاركة في جلسة الانتخاب، وفي كلتا الحالتين يتسلم العماد عون منصب رئاسة الجمهورية.
هذه الأجواء السياسية التي أشاعتها أوساط العماد عون والتي ترافقت مع اتفاق بري - باسيل حول ملف الغاز والنفط دفعت الرئيس سلام إلى القول إن «الأمر ليس طرح مربعات (بلوكات)، بل له أبعاد أخرى وله مسار متكامل يستلزم رؤى وقراراً واضحين، وأنا أحاول أن أستكمل كل المعطيات حوله».
ولذلك فضل الرئيس سلام التريث في دعوة اللجنة الوزارية الخاصة بملف النفط قبل معرفة خلفيات كل ما جرى بين بري وباسيل من كل النواحي السياسية والاقتصادية والطائفية والمذهبية. لأن قضية الغاز والنفط ليست شأناً خاصاً بين فئة من اللبنانيين، ولأن ذلك إذا تم سوف تكون له تداعيات خطيرة على مستوى علاقة اللبنانيين بعضهم ببعض، وعلى العيش المشترك، بحيث -كما يقول البعض -من الأفضل ان يبقى الغاز والنفط في باطن الأرض من أن يؤدي استخراجه إلى قتال اللبنانيين وجر لبنان إلى الخراب.
هذه الرؤية السياسية لها ما يبررها سياسياً واقتصادياً، ومثال دولة فنزويلا أفضل مثال على ذلك.
فدولة فنزويلا من الدول النفطية الكبرى والأساسسية في منظمة الدول المنتجة للنفط «أوبك»، ورغم ذلك تعاني فنزويلا من أزمة اقتصادية خانقة، ومن حالة فلتان أمني كبيرة جداً رغم وجود النفط والغاز بكميات كبيرة، والسبب في ذلك هو الخلاف السياسي الكبير بين السلطة والمعارضة منذ أيام الرئيس السابق هوغو تشافيز، وقد امتد هذا الخلاف إلى خليفته الحالي نيكولاس مادورو، وتدخلت أميركا في هذا الخلاف السياسي بين اللبنانيين بدون وجود الغاز والنفط، أوصلنا إلى العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية.
فهل يستطيع الغاز والنفط حل مشاكل اللبنانيين في ظل إصرار البعض على ربط لبنان بما يسمى «محور الممانعة»، أم أن ذلك سيحول لبنان إلى دولة فاشلة مثل فنزويلا؟