بسام غنوم

أعادت المقابلة التلفزيونية التي أطل بها الرئيس الحريري على اللبنانيين من الرياض عبر محطات التلفزة اللبنانية تصويب الأمور باتجاه إحياء التسوية السياسية القائمة بعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016. وقد كان الرئيس الحريري واضحاً وصريحاً لناحية تشديده على المحافظة على التسوية السياسية القائمة في لبنان، وعلى العلاقة السياسية والشخصية مع الرئيس عون، وعلى أن الهدف من إعلان استقالته في الرابع من شهر تشرين الثاني الجاري هو إحداث صدمة ايجابية في الواقع السياسي اللبناني، كما قال وأكد في مقابلته مع الإعلامية بولا يعقوبيان.
لكن الرئيس الحريري الذي أراد أن يكون ظهوره الأول بعد إعلان استقالته ظهوراً ايجابياً «من أجل حماية لبنان»، كما قال، أعلن أن التسوية القائمة انتهكتها مراراً وتكراراً «حزب الله» وحلفاء النظام السوري في لبنان، وأنه غير مستعد أبداً لفتح علاقة مع النظام السوري، وانه يجب التزام سياسة النأي بالنفس عن الأزمات في المنطقة، وحماية علاقات لبنان مع الدول العربية، وانه لا يمكن الاستمرار بالأمور على الشكل الذي كان قائماً قبل إعلان استقالته، وانه عائد الى لبنان ليقابل الرئيس ميشال عون حتى يضع النقاط على الحروف في كل ما يتعلق بالتزام مبدأ سياسة «النأي بالنفس»، وكل الأمور التي دفعته الى إعلان الاستقالة من رئاسة الحكومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل وضعت مقابلة الرئيس الحريري التلفزيونية خريطة طريق لحل الأزمة الراهنة، أم ان الأمور أعقد من ذلك بكثير؟
النتيجة الأولى لمقابلة الرئيس الحريري التلفزيونية كانت ايجابية على مختلف الصعد السياسية والشعبية والاقتصادية والأمنية، وقد ترجمت هذه الايجابية عبر مواقف الرئيس عون أولاً الذي أعرب عن سروره لإعلان الحريري عن «قرب عودته الى لبنان»، وقال: «أنتظر هذه العودة للبحث مع رئيس الحكومة في موضوع الاستقالة وظروفها، والمواضيع والهواجس التي تحتاج إلى معالجة».
أما على الصعيد الاقتصادي فكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكثر حذراً فقال: «أعتقد أننا وصلنا الى مرحلة استقرار نسبية في الأزمة، لا إلى تسوية للأزمة»، وهذا موقف ايجابي بعد حالة الخوف والهلع التي أصابت القطاع الاقتصادي في ظل الشائعات عن رغبة السعودية في فرض عقوبات اقتصادية على لبنان، وطرد عشرات آلاف اللبنانيين العاملين في السعودية ودول الخليج العربي.
لكن هذه الايجابية السياسية قابلها «حزب الله» وفريق 8 آذار بحذر كبير لأن الحريري الذي تراجع عن مصطلحات مثل «قطع يد إيران في لبنان» كما جاء في خطاب الاستقالة عاد وحمّل «حزب الله» مسؤولية عدم النأي بالنفس بسبب «تدخلات إيرانية ومن حزب الله في كثير من البلاد العربية» وأضاف: «لست متوجهاً ضد حزب الله على أساس أنه حزب سياسي، لكن هذا لا يعني ان يخرب لبنان، وعلى الحزب أن يدرك أن مصلحة لبنان العليا هي في المحافظة على علاقتنا بجميع الدول».
واللافت في إطار الردود السياسية المرحبة بمقابلة الحريري التلفزيونية هو التزام مسؤولي «حزب الله» الصمت وعدم التعليق على ما جاء فيها من مواقف تجاه «حزب الله» وسياسة النأي بالنفس، وهو ما يعكس اعتراضاً ضمنياً وكبيراً على هذه المواقف التي أطلقها الرئيس الحريري. ونقلت صحيفة النهار عن مصادر قيادية في «حزب الله» قولها «ان كل الأزمات التي تحيط بالمنطقة سبقت التسوية في لبنان» وأضافت: «وبالتالي لا يمكن التذرع بهذه الأزمات ووضع معادلة بهذا الشكل»، ولذلك يمكن القول ان «حزب الله» الذي يريد عودة الحريري الى لبنان ويرحب بها، لا يقبل أبداً بمحاولة السعودية فرض معادلة سياسية جديدة في لبنان تحت عنوان التزام سياسة النأي بالنفس التي تحدث عنها الرئيس سعد الحريري بشكل مطول في مقابلة الرياض التلفزيونية.
هذه النقطة بالذات تؤكد أن عودة الرئيس الحريري الي لبنان المرتبطة بمبدأ التزام سياسة النأي بالنفس، وخصوصاً تجاه دور «حزب الله» الأساسي والفاعل في الإقليم الممتد من سوريا إلى العراق مروراً باليمن ووصولاً إلى البحرين، لن تكون الثمن الذي يرغب «حزب الله» في دفعه سياسياً وعسكرياً من أجل عودة الرئيس الحريري عن استقالته، لأن لـ«حزب الله» حساباته السياسية والعسكرية الكبيرة على صعيد لبنان والمنطقة أولاً، ولأنه جزء من «محور الممانعة» الذي تقوده إيران في المنطقة ثانياً، ولأن استقالة الحريري بحسب رؤية «حزب الله» هي جزء من الصراع السعودي-الإيراني في المنطقة ثالثاً، بالتالي إن الحسابات السعودية للوضع في المنطقة، والتي عبّر عنها الرئيس الحريري في خطاب الاستقالة أولاً، والمقابلة التلفزيونية ثانياً، لا تتقاطع مع حسابات «حزب الله» وإيران، بل هي تتعارض معها، ولذلك يمكن القول ان الأزمة السياسية الراهنة في لبنان معقدة جداً في ظل تعارض السياسات السعودية والإيرانية في لبنان والمنطقة، والأمور في لبنان غير قابلة للحل بهذه الطريقة.
باختصار، أزمة استقالة الرئيس الحريري فتحت باب الخلافات السياسية بين اللبنانيين مجدداً، ولا حل إلا بالعودة الى التسوية السياسية القائمة التي كانت قائمة قبل استقالة الرئيس الحريري، وهذا ما يريده «حزب الله»، فهل تقبل السعودية والحريري بذلك؟}