العدد 1351 / 27-2-2019
بسام غنوم

كشفت الجلسة الأولى مجلس الوزراء ان الخلافات السياسية التي اخرت ولادة الحكومة لما يقارب التسعة أشهر , مازالت تفعل فعلها بين الأطراف المشاركة في الحكومة ولا سيما بين فريق الرئيس عون و "حزب الله" وفريق حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي ومعهم تيار المستقبل برئاسة الرئيس سعد الحريري .

وبيدو ان موضوع الهوية السياسية للحكومة يطغى على ما عداه من اهتمامات للرئيس عون و "حزب الله" ، وفي هذا الاطار كان لافتاﹰ تفجر الخلاف في مجلس الوزراء حول الصلاحيات الرئاسية من باب قضية النزوح السوري في لبنان والذي يبدو أنه المدخل الرئيسي لموضوع الهوية السياسية للحكومة ولقضية الصلاحيات الرئاسية التي تأخذ طابعاﹰ طائفياﹰ وهو ما عبر عنه البطريرك الراعي بعد زيارته الرئيس عون في قصر بعبدا بالقول : "انا اعرف ان الدستور واضح ، والمادة 49 منه واضحة ، ولطالما كنا نردد ان رئيس الجمهورية يقسم يمين المحافظة على الدستور وسيادة الوطن ووحدة الشعب وشؤون الدولة اللبنانية . ولم نضع له لا شروطاﹰ ولا أي قيد مع احد . وهو لم يعتد على احد ." و أعلن تأييده لموقف الرئيس عون في ما خص مسألة النازحين السوريين فقال "نحن شخصياﹰ نكرر على الدوام واينما كنا ، ان علينا ان نفصل الشأن السياسي عن مسألة عودة النازحين" .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل الخلاف على الصلاحيات الرئاسية هو الوجه الآخر لقضية النازحين السوريين في لبنان ؟

قبل الحديث عن موضوع الخلاف على الصلاحيات الرئاسية لا بد من التوقف اولاﹰ عند قضية النازحين السوريين في لبنان . فبالنسبة لعودة النازحين السوريين الى ديارهم هناك اتفاق على ضرورة عودتهم في اقرب فرصة ممكنة ، لكن هناك خلاف بين اللبنانيين حول طريقة ووقت العودة .

فالرئيس عون و"حزب الله" وفريق 8 آذار يريد عودة سريعة للنازحين السوريين الى سوريا بغض النظر عن وجود حل سياسي للأزمة السورية و من أجل تطبيع العلاقات مع النظام السوري لأن "الهدف يكمن في تعويم نظام بشار الأسد الذي لا يبدو انه في وارد اعادتهم في وقت تشهد سوريا تبدلاﹰ ديموغرافياﹰ" كما قال سمير جعجع الذي اعتبر الضجة المثارة حول النازحين السوريين "اكبر عملية غش سياسي في تحميلنا مسؤولية اعاقة عودة النازحين الى بلادهم" .

أما الرئيس سعد الحريري ومعه حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي فهم يدعون الى "مضاعفة الجهود الدولية لتأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم بصورة آمنة وكريمة ، بما ينسجم مع المبادئ والقوانين الدولية" كما قال الرئيس سعد الحريري في "القمة العربية – الاوروبية" التي عقدت في شرم الشيخ .

وموقف الرئيس الحريري ينسجم مع الموقف الأوروبي الذي اعلنته الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني التي قالت بعد لقائها مع الوزير باسيل "اكرر ان الحرب لم تنته بعد ، ونثق بالعمل الذي يمكن ان ينجز بقيادة الامم المتحدة من الناحية السياسية" وأكدت عمل الاتحاد الأوروبي على "مساعدة السوريين على انهاء الحرب والتوصل الى السلام وتوفير الظروف للعودة الأمنة والطوعية والكريمة" للنازحين السوريين .

اذاﹰ , الخلاف حول موضوع عودة النازحين السوريين يرتبط فقط بموضوع الحل السياسي في سوريا وليس بأولوية عودة النازحين كما يروج الوزير باسيل و "حزب الله" وفريق 8 آذار .

واذا كان الوضع كذلك فلماذا يتم او بالأحرى يجري استغلال موضوع النازحين السوريين من أجل اثارة قضية الصلاحيات الرئاسية ؟

في هذا الاطار يظهر أن هناك محاولة مكشوفة للالتفاف على اتفاق الطائف تحت عنوان الرئيس القوي والعهد القوي ، وليس بعيداﹰ عن ذلك تسمية كتلة التيار الوطني الحرّ ﺑ "كتلة لبنان القوي" وبالعودة الى المادة 49 من الدستور اللبناني التي استند اليها الرئيس عون في موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية فهي تقول : "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ، ورمز وحدة الوطن ... وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء " ، واما المادة 64 من الدستور فتقول "رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة ، يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاﹰ عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء" .

اذاﹰ ، فالسياسة العامة يضعها مجلس الوزراء والمسؤول عنها هو رئيس الحكومة ، ولا صلاحية لرئيس الجمهورية في تحديد المصلحة العليا للدولة ولا للسياسة العامة للدولة لأنها مناطة فقط بمجلس الوزراء ورئيس الحكومة كما قال دستور الطائف .

باختصار ، الصراع حول الصلاحيات الرئاسية هو الخطر الأكبر الذي يهدد لبنان حالياﹰ لأنه يعيد لبنان الى صراع الطوائف والى حقبة ما قبل اتفاق الطائف . واذا ما تحقق ذلك ولو تحت عنوان قضية عودة النازحين السوريين ، فان نتائجه ستكون كارثية على استقرار لبنان بكل مافي الكلمة من معنى .

بسام غنوم