وائل نجم

  بعد انتهاء المعركة النيابية، وعلى الرغم من الشوائب التي شابتها من مخالفات وعمليات تشكيك، وصولاً إلى الحديث عن تزوير، خاصة ما رافق عمليات الفرز وإعلان النتائج، وحديث بعض المرشحين عن فقدان أصواتهم التفضيلية التي أدلوا بها لأنفسهم في أقلام الاقتراع التي اقترعوا فيها، على الرغم من كل ذلك، يمكن القول إن قطار تأليف الحكومة وتشكيلها انطلق باكراً، وبدأ الحديث معه يكشف معالم المرحلة المقبلة من عمر العهد، حيث كان الحديث يجري سابقاً عن أن العهد يبدأ بعد الانتخابات النيابية.
المعروف أن ولاية المجلس النيابي الممدد لنفسه تنتهي في العشرين من شهر أيار الجاري، وأن أول استحقاق ينبغي أن يجري وفق الآليات الدستورية هو دعوة المجلس الجديد المنتخب من قبل رئيس السن، ومن ثمّ انتخاب رئيس للمجلس المنتخب. والمعروف هنا، بحسب النص الدستوري، أن رئاسة المجلس من حصّة الطائفة الشيعية، وعليه فإن المرشح الوحيد لهذا المنصب هو رئيس المجلس الحالي، نبيه بري، فلا شخصية نيابية شيعية منافسة له، ولا حتى خارج تحالفه مع حزب الله، إذ المعروف أيضاً في نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أن التحالف الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) حصد ستة وعشرين نائباً شيعياً من أصل سبعة وعشرين، والنائب الوحيد الذي فاز خارج إطار هذا التحالف الثنائي في دائرة جبيل كسروان، يبدو أنه سيعود ويلتحق بهذا التحالف الثنائي بطريقة من الطرق. وعليه فإنه ليس هناك أي مرشح شيعي لرئاسة المجلس النيابي باستثناء الرئيس بري، وهكذا تكون النتيجة محسومة له لعدم وجود أي منافس آخر.
ووفقاً للآليات الدستورية، فإن رئيس الجمهورية يبدأ استشارات نيابية ملزمة لتسمية شخصية تقوم بتشكيل الحكومة، وهذه خطوة إجرائية قد لا يكون فيها الكثير من التعقيدات. إذ المعروف أن الدستور نصّ على أن يكون رئيس الحكومة من المسلمين السنّة، وقد أظهرت نتائج الانتخابات أن الرئيس الحالي للحكومة، سعد الحريري، هو رئيس أكبر كتلة نيابية يتمثّل فيها النواب السنّة، وبالتالي فإنه قد يكون الأوفر حظاً من بين غيره من الشخصيات لشغل هذا المنصب في المرحلة المقبلة، خاصة أن الحريري كان له دور كبير وكبير جداً في وصول رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى سدة الرئاسة الأولى من خلال التفاهم الذي نسجه معه في وقت سابق. على هذا الأساس تكاد تكون مسألة رئاسة الحكومة محسومة للرئيس سعد الحريري، وقد أكد هذا التوجّه كلٌ من رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي. إلا أن الإشكالية الأهم والأبرز، التي يدور حولها من الآن، وقبل أن تجري كل الخطوات المفترضة دستورياً، هي مسألة تمثيل الكتل النيابية والسياسية في الحكومة المقبلة، أو إذا صحّ التعبير، شكل الحكومة المقبلة.
قبل يومين، وفي لقاء رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، ميشال عون ونبيه بري في القصر الجمهوري جرى التطرق إلى ملف الحكومة ولو بشكل سريع، وفي الليلة ذاتها تمّ لقاء في بيت الوسط بين رئيس الحكومة ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد قطيعة امتدت لشهور. ما بين اللقاءين الكثير من الرسائل والمعاني السطحية والعميقة. رئيس الجمهورية، ميشال عون، كان قد لمّح في وقت سابق إلى قيام حكومة أكثرية، من دون تفسير معنى الأكثرية، ومن تشمل هذه الأكثرية ومن لا تشمل، ليكمل المعنى الرجل الجديد القديم المقرّب من العهد والرئيس، النائب المنتخب، إيلي الفرزلي، بالإشارة إلى أن القوات اللبنانية (ستة عشر نائباً) يمكن أن تشكّل المعارضة في المجلس النيابي، بمعنى آخر فإن هذا الكلام يفتح معركة الحكومة بإقصاء هذا المكوّن السياسي الذي يعتبر أكبر المنتصرين في الاستحقاق الانتخابي خارج الحكومة، ولعلّ هذا النفس هو الذي جعل جعجع يسارع إلى بيت الوسط للقاء الرئيس الحريري، وفي الوقت ذاته، دفع الرئيس الحريري إلى طي صفحة الماضي مع «القوات» لاستشعاره محاولات الاستفراد به من أكثر من طرف.
وفي مقابل هذا الطرح سمعنا أن الرئيس برّي يفضّل أن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحدّيات المختلفة، وهذا المعنى يخفي رفضاً عند بري لإقصاء أحد على الإطلاق، لأنه يخشى أن يشكّل ذلك مقدمة حتى لإقصائه وإضعافه في وقت من الأوقات، وهو أيضاً يخفي التباين الذي ما زال قائماً مع الرئاسة الأولى على الرغم من الحديث عن طي صفحة الماضي.
ثم هناك معارك أخرى حول شكل الحكومة، وتوزيع المقاعد الوزارية فيها، وفي هذا السياق هناك الشروط التي بدأت الأطراف السياسية تضعها حول الوزارات السيادية وغير السيادية، وحصة كل طرف سياسي، وكل ذلك يعقّد المشهد، ويؤخر تشكيل الحكومة، ويضع العقبات أمام أي رئيس مكلّف سيأتي على رأسها. وقد يكون من حق القوى السياسية أن تشترط على الرئيس المكلف قبل تسميته، ولكن يجب أن تظل مصلحة البلد فوق أي اعتبار عند كل المعنيين بالاستحقاق المقبل حتى لا تظلله ظلال الشك كما ظلّلت من قبل الاستحقاق النيابي فيفقد اللبنانيون الثقة بالدولة والمؤسسات بعد أن فقدوا الثقة بكثير من الطبقة السياسية التي عبّرت عنها نسب الإقبال على صناديق الاقتراع.}