بسام غنوم

قبل أسبوعين تقريباً، خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ليقول في مهرجان تأبين أحد قياديي الحزب الذي كان يقاتل في سوريا، وبعدما نجح النظام السوري بمساعدة روسيا وإيران والمليشيات الطائفية في فرض الحصار على المناطق الشرقية في حلب والخاضعة لسيطرة المعارضة، إن أهمية ما جرى في حلب أخيراً يرتبط بإسقاط المشاريع الإقليمية والأحلام الامبراطورية، وتوجه إلى السعودية قائلاً: «مشروعكم لا مستقبل له، وأمامكم فرصة للتفاوض في اليمن والبحرين وسوريا، وإلا فسوف تهزمون».
وقد عززت هذه الأجواء التسريبات الإعلامية والسياسية حول لقاءات يجريها نادر الحريري مع جبران باسيل، يجري التداول فيها حول الضمانات المطلوبة من العماد عون للرئيس سعد الحريري، سواء في ما يتعلق بقانون الانتخاب أو رئاسة الحكومة، وكذلك العلاقة مع حزب الله وسوريا حتى يستطيع الرئيس سعد الحريري البناء عليها لتبني خيار العماد عون لرئاسة الجمهورية بدلاً من النائب سليمان فرنجية.
هذه الأجواء الرئاسية التي سبقت جلسات الحوار الثلاثية الأسبوع الماضي تبخرت بفعل أمرين: الأول مرتبط بالتطورات العسكرية في حلب بعدما قامت فصائل المعارضة السورية بشنّ هجوم مضاد على مواقع النظام السوري واستطاعت فك الحصار عن مناطقها في حلب، والثاني له علاقة بالحوارات التي جرت في ثلاثية الحوار حيث تبين ان كل الأجواء السياسية التي أشيعت قبل ذلك عن تبدل في موقف تيار المستقبل من ترشيح العماد عون لا أساس لها من الصحة.
فهل أسهمت معارك حلب في تبدل المواقف السياسية بين ليلة وضحاها؟ وما معنى قول السيد حسن نصر الله ان ما يجري «يرتبط بإسقاط المشاريع الإقليمية والأحلام الامبراطورية»؟
في البداية لا بدّ من التذكير أولاً بمواقف النظام السوري وروسيا وإيران بعدما استطاع النظام قطع طريق الكاستيلو وفرض الحصار على الأحياء الشرقية في حلب.
ترافقت هذه التطورات العسكرية بتحركات سياسية في لبنان والمنطقة للدبلوماسية الإيرانية حيث زار لبنان رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، حيث اعتبر أن «لبنان يقف بالصف الأول للمقاومة والممانعة»، وأشار إلى أن «المنحنى البياني لنشاط التنظيمات الإرهابية سواء كانت داعش أو أخواته آخذ بالانحدار، ليس فقط في سورية وفي العراق بل في المنطقة كلها»، وفي هذا الوقت بالذات خرج السيد حسن نصر الله ليقول إن أهمية ما جرى في حلب أخيراً هو أنه «يرتبط بإسقاط المشاريع الإقليمية والأحلام الإمبراطورية»، وهو يقصد بذلك الدور السعودي إقليمياً والدور التركي امبراطورياً.
وبعد المواقف الإيرانية وكلام السيد حسن نصر الله بعد فرض النظام الحصار على حلب انتشرت الأخبار والتسريبات والتحليلات حول قبول الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بالعماد عون رئيساً للجمهورية.
وكما تبدلت المواقف بين ليلة وضحاها عادت الأمور الى ما قبل حصار حلب بعد أن استطاعت قوات المعارضة فك الحصار عن حلب وإلحاق خسائر مادية وبشرية بقوات النظام السوري والمليشيات الطائفية المقاتلة معه حيث انتشرت أخبار وتسريبات إعلامية تقول إن تيار المستقبل أجرى ما يشبه التصويت على اعتماد خيار العماد عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، وان هذا النقاش أو التصويت انتهى الى رفض أكثرية كتلة المستقبل النيابية لخيار تبني ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية.
ونقلت مصادر إعلامية عن أوساط في تيار المستقبل ان كتلة المستقبل «لم تحسم خيارها، ولا هي صوتت عليه، بل تركته معلقاً إلى حين تبلور المعطيات الإقليمية والدولية ومدى استعداد إيران وحزب الله لانتخاب رئيس من خارج التسوية الشاملة في المنطقة حيث يخوضان حرباً مفتوحة على أكثر من جبهة».
من الواضح ان «حزب الله» و«تيار المستقبل» على حد سواء يخوضان حروبهما اللبنانية الداخلية على وقع ما يجري في المنطقة.
فحزب الله يريد فرض حل سياسي في لبنان أبعد من انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، فهو يريد قانون للانتخاب يؤمن له ولحلفائه الأكثرية النيابية في كل لبنان، ويريد رئيساً للحكومة يقبل بشرعية سلاح حزب الله، وبدوره في لبنان والمنطقة، وبعلاقات ممتازة مع النظام السوري، وهو لذلك يراهن على نجاح وانتصار المشروع الإيراني في سوريا والعراق من أجل الوصول إلى هذا الانتصار السياسي في لبنان، لذلك شكلت معركة حلب الأولى حالة انتصار تداعت بعد هزيمة النظام السوري في حلب أمام قوات المعارضة السورية.
بالمقابل, يراهن تيار المستقبل على تطورات المنطقة من أجل الحفاظ على تماسكه السياسي في وجه مطامع وطلبات حزب الله الرئاسية والسياسية، ولذلك استبشر خيراً بانتصار المعارضة الأخير في حلب.
باختصار، السيد حسن نصر الله كان يحلم بإسقاط المشاريع الإقليمية والإمبراطورية عبر معركة حلب، من أجل فرض مشاريع إيران في لبنان والمنطقة، وبسقوط النظام في حلب تبخرت هذه الأحلام وعاد الوضع في لبنان إلى ما كان عليه قبل معارك حلب.